يقال إنّ للضحك مفعولاً شفائياً عجائبياً؛ فكيف إذا ما كان هذا الضحك ممزوجاً بالكثير من الإيجابية؟ هذا باختصار هو مسلسل «تيد لاسو» الذي تنتجه شركة «أبل. تي. في. بلس» ومن صناعة جايسون سوديكيس، بيل لورانس، براندون هانت وجو كيلي. بُني المسلسل على شخصية المدرّب تيد لاسو الذي كان سوديكيس قد أداها في إعلانات قدّمتها شبكة «إن. بي. سي» الأميركية التلفزيونية حين غطّت الدرجة الممتازة في الدوري الإنكليزي لكرة القدم. بدأ المسلسل بعرض حلقاته في عام 2020 بجزئه الأوّل ذي العشر حلقات، ليتم التجديد له بجزءٍ ثانٍ ذي 12 حلقة لا تزال تُعرض حتى الآن. وقد أعلنت الشركة أخيراً أنه تمت الموافقة على تجديده لجزءٍ ثالث. رُشّح المسلسل أخيراً لعشرين جائزة في مهرجان الـ «إيمي» (Primetime Emmy Awards) التي تُعطى للمسلسلات والمساوية للأوسكار، وحاز منها ست جوائز هي: أفضل مسلسل كوميدي، أفضل ممثل بدور رئيس في مسلسل كوميدي، أفضل ممثل بدور مساعد، أفضل ممثلة في دور مساعد، أفضل إخراج، كما أفضل نص مكتوب لمسلسل كوميدي. كما حاز في جوائز غولدن جلوب الماضية جائزة أفضل مسلسل، كما فاز سوديكيس بجائزة أفضل ممثل. يذكر أن المسلسل كان قد أُعطي نسبة 91% مقبولية على موقع Rotten Tomato الشهير لتقييم المسلسلات.
يحكي المسلسل حكاية مدرّب كرة قدم أميركية يُدعى «تيد لاسو» (يؤدي دوره جايسون سوديكيس) تتم دعوته لتدريب فريق كرة قدم إنكليزي في الدرجة الممتازة الإنكليزية يدعى «إي أف سي ريتشموند» (وهو فريق وهمي اخترع للمسلسل). ولمن لا يعرف، فإن كرة القدم الأميركية تختلف تماماً وكليةً عن كرة القدم التي تسمّى بالإنكليزية الأميركية soccer وليس football. معنى هذا الكلام أنَّ تيد لاسو، لا يعرف أي شيءٍ عن «الرياضة» التي أتى لتدريب فريقٍ محترفٍ فيها. من هنا تبدأ المفارقات وإبداعات هذا المسلسل على حدٍّ سواء: فتيد لاسو إيجابي على الدوام، يستطيع أن يجد الشيء الإيجابي في كل ما يحدث حوله، كما يستطيع إطلاق جوّ من الإيجابية في النادي حيث يدرّب، أو على الشاشة حينما يظهر. يضاف إلى كل هذا الرسائل المبطّنة والظاهرة التي يؤديها المسلسل ومن بينها رسالتان شديدتا الأهمية: الأولى أنه ليس من المهم أن يربح الإنسان في كل معاركه، المهم أن يشارك ويبذل أقصى ما يستطيعه؛ وبعد ذلك فلتأتِ النتيجة مهما كانت. أما الثانية فهي كما يقول لاسو: ما هي أفضل ميزات سمكة الزينة؟ إن أفضل صفاتها أنها تنسى بسرعة، فعلينا أن نكون كما «أسماك الزينة» نفرح حال الفرح، ونحزن حال حدوث الحزن، لكن أن ننسى بسرعة لأن ذلك أفضل بالنسبة لنا.
تسير شخصيات المسلسل ـــ جميعها ـــ في الجو العام نفسه من الإيجابية، فنرى مساعد المدرّب الذي يلقبّ بالمدرب «لحية» (يؤدي دوره الممثل براندن هانت) الصديق الأقرب، والموجود بشكلٍ دائمٍ بجوار البطل. ذلك الصديق الذي يحتاج له أيّ منا حوله، يؤيده ويدعمه، فضلاً عن أنه يفهم ما يريد قوله من دون التفوّه به. روي كنت (بريت غولدستين) كابتن الفريق والنجم الشهير الذي بدأ يكبر في السن ولربما هذا يعطيه مزاجاً غاضباً طوال الوقت، يمثّل الشخص الغاضب لكن اللطيف والحنون الذي يبدو قاسياً لكنه من داخله يمتلك توازناً ومحبةً كبيرين. كيلي جونز (جونو تيمبل) تمثّل الشخص الإيجابي، والمباشر الذي قد يكون سطحياً بعض الشيء، لكنه في الوقت عينه لا يؤذي أحد بتلك السطحية. في الإطار نفسه؛ يأتي ليسلي هيغنز (جيريمي سويفت) أحد الإداريين في الفريق الذي يبدأ المسلسل كشخصية «ضعيفة» مغلوب على أمرها، لنجد أنه يمتلك جوانب كثيرةٍ تجعله مميزاً وحميماً في آنٍ معاً.
نقطة المسلسل الأقوى بالتأكيد هي «النص» المكتوب


واحدة من أبرز ميزات المسلسل هي إيجابيته الدائمة: فحتى الشخصيات «الشريرة» فيه هي شخصيات إيجابية، وإذا ما تصرّفت بسلبية، فإنها تتصرّف بدافع من الظروف، لا لأنها شريرة؛ وهذا يحسب كثيراً للمسلسل. ريبيكا والتون (هانا وادينغهام) على سبيل المثال، تكره زوجها لأنّه خانها مع فتيات أصغر منها. لذلك تقرر أن تسلم الفريق أي «إي. أف. سي. ريتشموند» لمدرّب لا يعرف شيئاً بغرض تدميره لأنه «أكثر ما يحبه زوجها»، وهي تريد «أن تضربه حيث يوجَع». هذا كان في البداية، سرعان ما تبدأ ريبيكا ـــ بتأثير من إيجابية لاسو ـــ بتشجيع الفريق ومحبته، والتغاضي عن كرهها لزوجها ولحياتها معه. الأمر نفسه ينسحب على جيمي تارت (فيل دانستر) وهو نجم الفريق الشاب، الذي يمثّل نجم الكرة المغرور، والمتنمر على زملائه. سرعان ما يتعاطف الجمهور معه ويحبه، حين يشرح المسلسل سبب شخصيته، وكيف يتغيّر تباعاً مع تقدّم الحلقات. أمرٌ آخرٌ يمكن إضافته إلى إيجابيات المسلسل هي أنّه يتعامل مع القضايا الاجتماعية بالكثير من التفاؤل، فهو يتناول قضايا مزعجة إنما بطريقة أخف من معتاد المسلسلات، وأثقل من طريقة المسلسلات الكوميدية في المعتاد: يتناول الطلاق والترك والعلاقة مع الأهل، والأمراض النفسية، والعقبات والخسارة والهزائم. يعاني تيد لاسو ـــ على سبيل المثال ـــ من أنه «وحيد في بلادٍ غريبة عليه». يتواصل معظم وقته مع ابنه وزوجته اللذين يعيشان في أميركا عبر وسائل التواصل الاجتماعي و«الفايس تايم». يكتشف أنّ الكثير من لاعبيه «الأجانب» هم مثله تقريباً؛ ففرق كرة القدم المحترفة تضم لاعبين من جنسيات ودول متعددة، وغالبيتهم يكونون في العشرين من عمرهم، وهذا يسبب ضغطاً نفسياً كبيراً عليهم. تناول المسلسل هذا الموضوع، بشكلٍ إيجابي، على الرغم من قسوته ودقته. كذلك الأمر حين نكتشف بأنّه حتى الطبيبة النفسية في المسلسل الدكتورة شارون فيلدستون (سارة نايلز) تعاني من «مشاكل نفسية» وبحاجة لمن «يقف بجانبها» ويساعدها نفسياً؛ لا بل إنها تطلب المساعدة حتى من تيد لاسو.
أدائياً، يبرع تقريباً معظم من في المسلسل في تقديم أداءٍ أكثر من ممتاز في تجسيدهم للشخصيات. ويبدو أن النص المكتوب للحلقات كان مسبوكاً بطريقة ملائمة، جعلت المؤدين يبدون كما لو أنهم في شخصياتهم الحقيقية. إذ لا تشك بأن جايسون سوديكيس هو فعلاً تيد لاسو، في كل لحظاته؛ وهذا الأمر ينسحب تقريباً على جميع الممثلين. نقطة العمل الأقوى بالتأكيد هي «النص» المكتوب، إذ لا ثغرات نهائياً: إنه مكتوبٌ ليس بحرفةٍ عاليةٍ فحسب، بل أيضاً بنوع من «الإيجابية» العالية التي تدفع المشاهد للابتسام حال المشاهدة ويعطيه شعوراً كبيراً بالراحة. يذكر أن العمل ترافق مع حسابات للمدرب ومساعده كما بقية الشخصيات والفريق على موقع تويتر، وتغرّد الشخصيات بشكلٍ دائم عليه، وهو ما يعطي الشعور بأن الشخصيات «حقيقية» للغاية وليست مجرّد شخصيات «درامية في مسلسل». هذا أيضاً يضفي طبقةً جديدةً من الواقعية عليه؛ ما يعطيه تأثيراً أكبر.
باختصار، إذا ما كنت تشعر بضغط الحياة الاجتماعية واليومية عليك بكل ما فيها من قسوة وصعوبة، شاهد «تيد لاسو». إنه لا يعطيك كمشاهد معنويات وإيجابية فحسب، بل إنه يغيّر الكثير من رؤيتك إلى الأشياء اليومية البسيطة كما الأشياء الكبيرة والمعقدة، كالإنجازات والحياة بحدّ ذاتها.

Ted Lasso
على APPLE TV PLUS