ذات يوم، في مدينة تدعى «كفر منخار»، يتعرّض شامبليون للسخرية من قبل أهل المدينة، بعد أن يطير أنفه إلى النهر. فعلٌ جاء على هيئة إضراب، ليدور حديث بين سمك النهر والأنف، ويتبادلان الشكاوى ويتحدّثان عن الأذى الذي يتعرّضان له بسبب أنانية السّكان وإهمالهم.. رسائل توعوية تتضمنها الحكاية، مفادها أنّ الأنانية هي أكبر آفات المجتمع. هذه المسرحية (شو صار بكفر منخار) عرضت للمرة الأولى عام 1993 أي قبل 28 عاماً، وما زالت تعرض إلى يومنا هذا. تحكي عن مدينة يسودها الإهمال والأنانية واللّامبالاة، واقعها يشبه واقع مجتمعاتنا.
يرى كريم دكروب أنّ «مسرح الدمى» أثبت أنّه حاجة ملحّة، خصوصاً بعد جائحة كورونا

بمسرحيات ذات غاية ورسالة تربوية موضوعة في قالب اجتماعي، يتوجّه «مسرح الدّمى اللبناني» إلى فئات عدّة غير الأطفال الذين يعتبرون الفئة الأساسية المستهدفة، فاستطاع بذلك جذب أجيال من اللّبنانيين لتشكل العروض استمرارية المسرح والقائمين عليه.
تلعبُ عروض الدمى دوراً فاعلاً في التوعية والإرشاد وغرس القيم المجتمعية والإنسانية، عبر إيصال الأفكار بالأدوات المتنوعة، إضافةً إلى الدور التربوي والنفسي الذي يتيح للطفل التفريغ والتنويع وتعبئة أوقاته. لكن في السنتين الأخيريتين، طرأت تحولات عدة على القطاع الثقافي، الذي يرزح تحت وطأة الأزمات وذروتها قبل أي قطاع آخر. إذ إنّه قطاع يعاني إهمالاً مزمناً لجهة غياب الدعم والتمويل. أما مسرح الدمى الذي عاش فترات انتعاش طويلة، فقد كان يعتمد في الدرجة الأولى على تعاونه مع المدارس، والمكتبات العامة والبلديات والمناطق. لكن ها هو اليوم يعاني من الوضع الاقتصادي والمالي كغيره. في حديث معه، يلفت رئيس «جمعية خيال للدمى» ومؤسس مسرح الدمى المخرج كريم دكروب إلى أنّه مع بدء الأزمات والتحركات، نظم المسرح عروضاً بتكاليف منخفضة جداً كموقف سياسي واجتماعي، مما عرّضه لهجمات وانتقادات شديدة. يومها، سُعّرت البطاقة بـ 10 آلاف ليرة لبنانية فقط، إيماناً منهم بأنّ المسرح ينتعش في الأزمات، وتشجيعاً للعائلات بالمجيء إلى المسرح الذي يشكّل استمرارية له.
ومع وصول جائحة كورونا إلى البلاد، فقد توقفت العروض كلياً قبل استئنافها على أثر رفع الحجر في لبنان. إلا أنّ البلد شهد ارتفاعاً جنونياً في سعر صرف الدولار وانهيار الليرة، فلم يعد المسرح قادراً على إقامة العروض، خصوصاً لجهة تأمين أجور الممثلين وغيرها من الأمور التشغيلية.
سعر البطاقة بات يراوح اليوم بين 50 و60 ألف ليرة لبنانية، بعدما حصل المسرح على منحة من «الصندوق العربي للثقافة والفنون». وعن أزمة المازوت قبل العروض، يؤكد دكروب أنّهم كانوا يعملون بصعوبة لتأمين وتعبئة تنكتين قبل كل عرض. وفي نقاش مطول حول إشكالية وأهمية الفن، وما إذا يمكن اعتباره من الحاجات الأساسية في حياة الأجيال، يقول دكروب: «قد لا يعتبر المسرح والفن أولوية ضمن احتياجات الطفل الأساسية، ومثال على ذلك «هرم ماسلو»، لكن هناك وجهة نظر موازية، ومن المؤكد أن الأنشطة ذات الطابع الإبداعي والتفاعلي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الاحتياجات الإنسانية الأساسية بعد معاينة وملاحظة حجم الاكتئاب الذي ولّدته الحياة الخالية من الأنشطة خلال فترة كورونا».
وعن مستقبل هذا النوع من المسارح، يرى دكروب أنّ «مسرح الدمى» يتطور مع تطور الحياة والأدوات والتكنولوجيا، وقد أثبتت المرحلة، وخصوصاً جائحة كورونا، أنّه حاجة ملحة. وعن وضع هذا الفن في لبنان اليوم، يعتبر أنّ الأمر في غاية الصعوبة والمشقة، فـ «نحن في حالة مقاومة دائمة. لكن لا أحد يعلم إلى متى وإلى أي حدٍ سنبقى قادرين على الاستمرار والصمود». يعاود مسرح الدمى عمله في لبنان أواخر العام الحالي، فيما سيتأنف مشاكاته في المهرجانات الدولية والعالمية، إذ تسافر مسرحية «يا قمر ضوي عالناس» لتشارك في «مهرجان أنقرة» إلى جانب غيره من المهرجانات.