واحدةٌ من فواكه الدراما الدائمة في هوليوود، هي الأفلام المطعّمة بنكهةٍ آسيوية، كأن تصوّر في الصين، هونغ كونغ، الصين، كوريا الجنوبية، أو اليابان. تسحر ثقافة الـMartial arts والياكوزا (المافيا اليابانية) والتقاليد المتوارثة المجتمع الأميركي الحديث. يأتي فيلم «كايت» (2021 ــ إنتاج نتفليكس) للمخرج الفرنسي سيدريك نيكولا ترويان، وللنجوم الأميركيين ماري اليزبيث وينستيد، وودي هارلسون بالإشتراك مع النجم الياباني الشهير تادانوبو آسانو، والقادمة بقوة ميكو مارتيناو. سيسأل القارئ في البداية: بماذا يختلف فيلم «كايت» عن غيره من أفلام العنف، خصوصاً أنه يعرض قصةّ مستهلكةً إلى حدٍ كبير. يحكي الفيلم قصة القاتلة المحترفة «كايت» (ماري وينستيد) التي «يصحو ضميرها» يدون أي سبب، فتصرّ على عدم القتل إذا ما كانت الضحية قريبةً من عائلتها. كالعادة، هناك «منسق عمليات» لهذه القاتلة، يكون قد ربّاها ودرّبها كي تصل إلى ما وصلت عليه. يلعب هذا الدور بإتقان النجم حليق الرأس، وودي هارلسون، خصوصاً أنه لعبه سابقاً رمراً لربما أشهرها شخصيته «هايمش» في «ألعاب الجوع» (2012 وأجزاؤه اللاحقة) مع النجمة جنيفر لورنس.
تقع كابت ضحية خديعة، إذ تسمّم. فتقرر البحث عن الفاعل، وإكمال تنفيذ مهمتها وقتل أهدافها في الوقت نفسه، إذ لم يتبق من حياتها سوى يوم واحد. سرعان ما تتعرّف إلى المراهقة المزعجة ــ بعض الشيء ــ آني، ابنة شقيق «هدفها» الذي تريد قتله، فتحاول استغلالها للوصول إليه. لكن سرعان ما ينقلب الأمر إلى علاقة «أمومة» بين القاتلة والمراهقة. القصة التي أسلفنا، ليست جديدة نهائياً، لكن الجديد هذه المرة هو الجو الذي خلقه المخرج ترويان، وهذا يحسب له. إذ نجح في خلق جوٍ سريعٍ في الفيلم، على الرغم من أنَّ بطلته تكون مريضة ومتعبة أغلب لحظات الفيلم، مع المحافظة على ما يريده المنتج، أي التقاليد الآسيوية وصفات المجتمع الياباني. يلاحظ المشاهد أنه في كل لحظات الفيلم، نحن أمام «مَعْلَمْ» من الثقافة اليابانية سواء الحديثة أو القديمة، من الوشوم على الأجساد؛ والحديث عن «التراث» والعادات المتوارثة، إلى الموسيقى اليابانية الحديثة وفرقها كـ Band Maid وهي أحد أشهر فرق الروك اليابانية، وقد ظهرت بشكل واضح في الفيلم. ولا بد من التذكير هنا بأنّ الجمهور عرف ترويان مع فيلمه الذي أشرف عليه، «سنو وايت والصياد» (2021) حيث رشح للأوسكار عن أفضل «مؤثرات بصرية»، وجزئه الثاني الذي أخرجه بشكلٍ كلي «الصياد: حرب الشتاء» (2016).
أدائياً، ماري إليزبيث وينستيد، واحدة من نجمات جيلها بالتأكيد. هذه الممثلة يعتبرها الجمهور الأميركي واحدةً من أهم «ملكات الصراخ» وهو التوصيف الذي يعطى للنجمات اللواتي يؤدين عدداً لا بأس به من أفلام الرعب ويلمعن فيها. رصيد وينستيد من هذه الأفلام كثير منها: «الوجهة الأخيرة» (2001)، و«بحيرة الذئب» بجزئه الثالث (2006) و«الميلاد الأسود» (2006)، و«جزيرة الوحش» (2004)، و«عصيّ على الموت» (2007). تلك الأفلام لم تحدّ من مقدرة النجمة الأميركية ذات الست وثلاثين ربيعاً، إذ إنها كسبت جمهور الكوميكس مثلاً من خلال فيلم Scott Pilgrim vs. the World عام 2010، حين أدّت دور معشوقة البطل الذي يحارب أبطالاً خارقين للوصول إليها. كما نجحت في لفت نظر المنتجين والمخرجين المعروفين، بأدائها المتقن في فيلم Smashed عام 2012. وقد حملت فيه إسم كايت أيضاً، وأدت دور زوجة تحارب من أجل التخلّص من إدمانها على الكحول. في «كايت»، تقدّم وينستيد أداءً سريعاً، قوياً، وفي الوقت نفسه حين تهدأ الكاميرا، نجدها تنهار تماماً بفضل السمّ الذي يجري في عروق بطلتها، وهذا التنقل يحسب لها كثيراً. بخصوص النجوم اليابانيين في العمل، نذكر ميكو مارتيناو القادمة من عالم برامج الأطفال. في دورها الأوّل، لعبت بتمكن شخصية المراهقة المزعجة، التي تتحدّث كثيراً، موحيةً بمعرفتها بكل شيء، وبامتلاكها العالم، فيما كل ما تحتاجه هو تقبل الآخر ويد حانية. من جهته، يأتي أداء تادانوبو آسانو جيداً، وإن لم يكن كبيراً أو أساسياً، إذ كان من الممكن أن يلعب الدور أي ممثل آخر، فلم يكن أداء أسانو قوياً، إلا في لمحاتٍ قليلة.
واحدة من الأمور الجميلة في الفيلم هي الموسيقى التي أبدع في العمل عليها صانع الموسيقى نايثان بار. مزج الأخير البوب روك الياباني، مع الموسيقى الغربية، ليخرج بصورة مختلفة، ويعطي الفيلم سرعة وحركةً إضافيتين. يذكر أن بار كان قد اشتهر بموسيقى المسلسل التلفزيوني المعروف «دم حقيقي».
على الجانب الآخر، تحاول نتفليكس ربما أن تخلق سوقها الخاص في عالم الأفلام، ولا تحتاج لوسيط أو لشركات توزيع. تحاول أن تقارب جميع الأسواق كما الأذواق من خلال أفلام تمزج الحركة التي تشتهر بها هوليوود، بالميزانية المنخفضة، لكن مع المحافظة على مستوى الفيلم بشكلٍ عام، ناهيك بمشاركة نجوم معروفين لهم قيمتهم. يضاف إلى هذا أنّها تطعّم أفلامها بأبطالٍ «محليين»، مما يجعل المشاهد المحلّي يرغب في متابعة العمل ومشاهدة نجمه المفضل.
باختصار هو فيلم حركةٍ سريع، يمتاز بجوٍ مختلف بالتأكيد، وقد يعطي المشاهد رغبة في متابعته من اللحظة الأولى، خصوصاً إذا ما كان من هواة النوع.

«كايت» على نتفليكس