صنعاء | يختلف أهل السياسة في اليمن على كل شيء ولا يتفقون إلا على أهل الصحافة. ويبدو أنّهم أبرموا اتفاقاً غير مُعلن يهدف إلى إسكات صوت الشهود. هذا ما تثبته الاعتداءات المتتالية على الصحافيين منذ انطلاق «الربيع اليمني» مطلع عام 2011 حتى اليوم حيث المساس بإعلاميين قتلاً وخطفاً واعتقالاً ومحاولات قتل وهم يواصلون القيام بواجبهم من دون حماية أحد.الجديد اليوم هو حصول تلك الجرائم وقد صارت الساحة خالية من أي ضوابط قد تُلزم الجهات المُسيطرة على الأرض بتحمّل أدنى مسؤولية تجاه المُعتدى عليهم في محيط الجغرافيا الواقعة تحت قوة سلاحها. تبدو حالة الصحافي حمدي البُكاري مراسل قناة «الجزيرة» القطرية مثالاً طازجاً وواقعة شديدة الخطورة بعد اختطافه في منطقة من مدينة تعز (جنوب صنعاء) مع زميله عبد العزيز الصبري إضافة إلى سائق السيارة. لم تعلن أيّ جهة مسؤوليتها عن الجريمة في حين انتظرت «الجزيرة» ثلاثة أيّام كي تعلن فقدانها التواصل مع مراسلها في المدينة. أمّا جماعة "المقاومة الشعبية" الواقفة في مواجهة قوّات الحوثي التي قدِمت إلى تَعز، فقد أصدرت بياناً تدين فيه اختطاف البُكاري ورفاقه، مع أنّ العملية قد تمّت في المنطقة الواقعة تحت سيطرتها. أمر أحرج "الجزيرة" المُساندة لهذه "المقاومة". نقابة الصحافيين اليمنيين من جهتها أصدرت بياناً أكدت فيه "إن المقاومة في تعز وقيادتها السياسية والميدانية تتحمل مسؤولية مباشرة عن حياة الزميلين حمدي البكاري وعبد العزيز الصبري وهي مطالبة بإعلان موقف واضح وبذل جهد لإطلاق سراحهما".
كما تبدو حالة الصحافي نبيل سبيع مثالاً إضافياً في السياق نفسه تكشف حالة الخطر المفتوحة على العاملين كافة في السلطة الرابعة. عندما سأله ضابط التحقيق عن هوية الجناة الذين اعتدوا عليه، أجاب: «إني أتهم نادي ريال مدريد». هكذا بقي الشاعر والصحافي اليمني نبيل سبيع (1978) متمسكاً بنبرته الساخرة التي عُرف أسلوبه الكتابي بها رغم أنّ رصاصتين استقرتا في جسده إلى جانب ضربات عديدة تلقاها بواسطة هراوات مجهولة بداية الشهر الحالي. حالما وصل إلى المستشفى الواقع في وسط صنعاء، حتى طالب ضابط التحقيق الجنائي بالابتعاد عنه ورجاه البحث عن طبيب بدلاً من سؤاله عن هوية الجناة الذين قاموا بالاعتداء عليه وسط زحمة من الناس لم يتقدّم أحد منهم للدفاع عنه.
«حين بدأوا في ضربي، لم أعتقد للحظة واحدة أنهم يقصدوني. خلت أنّ التباساً قد حدث وسط مشاجرة عنيفة». هكذا يحكي سبيع لـ «الأخبار» بعدما استقرت حالته راوياً لنا ما جرى له يوم الاثنين الفائت حين هاجمه مجهولون ليتلقى ضربة على رأسه أصابته بغشيان مؤقت قبل أن تتلقى ركبتاه رصاصتين على التوالي. «أدركت وقتها بأني المقصود» يقول لنا الكاتب الذي كان ضمن عدد قليل من الشباب ممن انطلقت أقلامهم عام 2003 لتكتب نقداً واضحاً لمنظومة التوريث التي كان الرئيس السابق علي عبد الله صالح يسعى لتثبيتها لصالح نجله أحمد. نبرة نقد لم يتعود رئيس النظام عليها طوال فترة حكمه، فسعى لإغراء بعضهم ونجح في ذلك، بينما فشل مع آخرين. يقول نبيل: «إنهم يريدون إسكات الأصوات المستقلة»، هو المُعروف بصوته المستقل وانتقاده للجميع. علماً أنّه في عام 2005، نال حكماً قضائياً يفرض منعه من الكتابة بعدما قامت وزارة الإعلام اليمنية بمقاضاته نيابة عن سفارة المملكة السعودية في صنعاء في سابقة غريبة إثر مقال انتقد فيه علاقة آل سعود باليمن.
وكان الصحافي محمد عايش رئيس تحرير جريدة «الأولى» والمُقرّب من جماعة الحوثي، قد كتب على صفحته في الفايسبوك انتقاداً لهذه الجماعة إضافة إلى الرئيس السابق علي صالح محملاً إياهما مسؤولية ما حدث من اعتداء على سبيع كون الواقعة قد حصلت في العاصمة الواقعة تحت سيطرت قواتيهما وعليهما تقع مهمة حماية المقيمين فيها.
إلى كل هذا، لم تكن طائرات العدوان السعودي بعيدة عن المشهد. قُتل الصحافي المقداد مجلي في قصف جوي على منطقة كان موجوداً فيها بالقرب من صنعاء، وحدث هذا قبل أيّام من مقتل مصور قناة «المسيرة» هاشم الحمران متأثراً بإصابته إثر قصف الطائرات نفسها لمنطقة ضحيان في مدينة صعدة عصر الخميس الماضي وكان يستقل وقتها عربة إسعاف فقضى كل من فيها.