امرأة الحنو ولذة النبش عن خلود الألفة والسهر المضني في أدراج الليل تفتّش في صلاة الحلاج وابن عربي وجلال الدين الرومي ورامبو وغارسيا لوركا والبرتي والسياب وأدونيس. حياة العطية حشد نسائي في جسد واحد وألفة نادرة تفرش بها بيتها لأصدقائها المتعددي الجنسيات والثقافات المتعددة لحوار عالي السحر والاختلاف حول المعاني المركّبة والملتبسة في حياتنا العربية للبحث عن شهوات وجرائم دول الخنازير والفاشيات المقنعة ودفن الحريات والمضي قدماً في تصحير المعاني الأصيلة للقيم وتحويل حياتنا إلى مهاجع اللصوص وإعدام الحريات. هكذا كان بيت حياة الحويك عطية الجاذب للرموز الفكرية من مسرحيين وتشكيليين وكتاب وموسيقيين وسينمائيين، لذلك شبهته ببيت أعمدة النور الحرّ الذي ترعرع فيه ابنها وحبيبها زينون وابنتها ربى التي على درب أمها سارت بفرادة غير مسبوقة في عشق الحياة والسينما والحفر في بصرياتها. ربى الابنة الشديدة الأصالة بموهبتها المتوقّدة وسمو قلبها وروحها وفكرها في ترسيخ صورة الحرية المدنية في يومياتها وفي الفنون التي أعطتها حياتها قلت لربى التي انكسر ظهرها وعمرها لفقد والدتها، هوّني عليك لأنّ حياة ستعود إلى جسدك وروحك في مساكنة أبدية.
حياة الحويك عطية امرأة نادرة الألق تركت وراءها إرثاً معرفياً وفكرياً وجمالياً نادراً وولدين من ذهب. في آخر مرة التقيتها في بيروت قبل سنتين حيث غادرها المرض وبدت في حوارها شديدة اللهفة للحديث العذب الشديد العمق، تذكّرنا سوية أيام عمان عندما كنت أعيش في الأردن. تذكّرنا أصدقاء كثيرين يأتون إلى بيتها حيث تستضيفهم بكرم كبير، عوني كرومي، مريد البرغوثي، سعدي يوسف، علي طالب وووو ... كانت حياة تتصرف مع أصحابها كأنها بيتهم ومدينتهم، تصغي لروحهم وتتنوع في طرح المواضيع. آخر رواية لبورخس وآخر قصيدة لرامبو وعن الترجمات بتنوع مواضيعها. كان لحياة قدرة كبيرة على إدارة الحوارات المتشعبة ودرجات تلوين مواضيعها، تكتب عن مسرحية عرضت للتوّ في عمان وتحضر ندوة فكرية لاحقاً في بيروت ولقاء تلفزيوني في الوقت نفسه. تقوم بترجمة رواية عن الفرنسية وبين أدراجها نصّ مسرحي وآخر روائيّ ستنجزه قريباً. وفي أوقات وحدتها عندما يغادر الجميع، تكون شديدة الحزن على موت صديق هنا ومرض صديق هناك. قالت لي وقتها: ماذا سنفعل يا جواد مع موتانا الذين يتكاثرون في الغربة ومن سيبقى لنا إذا غادرنا كل أولئك الموتى الخلّاقون؟   
حياة الشديدة الرهافة والحزن هي فعلاً مدينة في امرأة.