تونس | كشف «الزلزال» السياسي الذي تعيشه البلاد منذ شهر، وتحديداً منذ 25 تموز (يوليو) الماضي، بعد تجميد أعمال مجلس النواب، أنّ الإعلام التونسي في مجمله يفتقر إلى المهنية المطلوبة رغم تحرره بالكامل منذ عشر سنوات. فالإذاعات والفضائيات والصحف والمجلات أربكتها قرارات رئيس الجمهورية قيس سعيد، التي أنهت منظومة حكم تواصلت عشر سنوات بقيادة الإخوان المسلمين (فرع تونس)، الذين كانوا يتحكّمون بهذه المنظومة، بما فيها من مؤسسات دستورية من خلال البرلمان الذي كان بمثابة غرفة العمليات.
محمد سباعنة

أداء الفضائيات والإذاعات تراوح بين التجاهل، والانحياز لـ «حركة النهضة» التي لها في كل مؤسسة من يدافع عنها. فقد غابت البرامج السياسية بشكلٍ كامل تقريباً، ما عدا بعض الاستثناءات مثل إذاعات «موزاييك» و«شمس أف أم» و ifm والتلفزة الوطنيّة وفضائية التاسعة الخاصة التي استأنفت تقديم برنامجها السياسي «الرندفو» مباشرة بعد إعلان سعيد تجميد مجلس نواب الشعب. وكان هذا البرنامج الذي استؤنف تقديمه رغم العطلة الصيفية شبه مساند لقرارات سعيد التي لقيت مساندة كبيرة في الشارع التونسي.
ولكن المفارقة الملفتة هي صمت قناة «نسمة» المملوكة لنبيل القروي، منافس قيس سعيد في الدور الثاني في رئاسية 2019 والملاحق في تهم فساد مالي وتبييض أموال، وهي قضايا ما زالت مفتوحة في القطب القضائي الاقتصادي والمالي. وقد تم إيقافه مرتين، وصمتت قناة «نسمة» بالكامل عن القرارات التي اتخذها قيس سعيد خوفاً ربما من إعادة فتح الملفات القضائية وسط أنباء عن فرار القروي وشقيقه عضو مجلس نواب الشعب غازي القروي شريكه في الملاحقات القضائية وفي مجمع «نسمة». وكانت هيئة مكافحة الفساد أحالت ملف قناة «نسمة» على القطب القضائي الاقتصادي والمالي ليُضاف ملفّها إلى الملفات المتعلقة بالقروي منذ العام 2019.
ارتباك إعلامي كامل أمام قرارات رئيس الجمهورية


ومارست قناة «الحوار التونسي» التي كانت تتصدّر نسب المشاهدة ببرنامجها السياسي «تونس اليوم» التّجاهل نفسه بعد الإفراج في الأسابيع الأخيرة عن مالكها سامي الفهري الملاحق بقضايا فسادٍ مالي لفترتي ما قبل 14يناير 2011 وما بعدها. وقد اضطر الفهري في إطار التعبير عن حسن النية مع «حركة النهضة»، إلى التخلّي عن المحلّلين المعادين للحركة مثل مايا القصّوري، ولطفي العماري و«تعديل» الخط التحريري للقناة أملاً في «المصالحة» مع «النهضة».
ولعلّ الصحف التونسية هي الوحيدة التي حافظت نسبياً على متابعة يوميّة وأسبوعية لتطورات المشهد السياسي في الوقت الذي أعلنت فيه أسبوعية «الرأي العام» القريبة من «حركة النهضة» معارضة توجهات قيس سعيد واعتبرتها «انقلاباً». أما صحيفة «الشروق» اليومية الأكثر رواجاً، فقد ساندت في خطّها التحريري الرئيس قيس سعيد واعتبرت خطوته إنقاذاً للبلاد من منظومة الخراب التي تحكمها منذ عشر سنوات. أما صحيفة «الصباح»، أعرق اليوميات التونسية (تأسست مطلع الخمسينات من القرن الماضي) وتمت مصادرة ملكيتها من صهر الرئيس الراحل الجنرال زين العابدين بن علي، وكذلك يومية «المغرب» التي بدأت الصدور يومياً بعد ما يعرف بالثورة، فقد كان موقفهما مسانداً لإنهاء منظومة الإخوان مع الحذر من ضياع المسار الديمقراطي والعودة إلى الديكتاتورية.
في المحصّلة، يكشف تعاطي الإعلام التونسي مع «زلزال» 25 يوليو نجاح «حركة النهضة» طيلة عشر سنوات في تدجين الإعلام الذي اعتقد التونسيون أنه تحرّر بالكامل بعد ما يعرف بالثورة. إذ إنّ جزءاً كبيراً من الإعلام التونسي ما زال مرتبكاً وعاجزاً عن تحديد وجهته، وجزء آخر اختار النوم في بيت الطاعة.