يستضيف مسرح «دوار الشمس» مهرجانَين في حدث فني واحد يستمر حتى 26 أيار (مايو). الأول هو النسخة اللبنانية من «مهرجان الربيع» الذي تنظمّه جمعية «شمس» بالتعاون مع «المورد الثقافي» في مصر. الثاني هو المهرجان النروجي «ريد زود»، مع الإشارة إلى أن برنامجَي المهرجانَين تتداخل مواعيدهما ليشكّلا روزنامة واحدة نصل اليوم إلى القسم الثاني منها (الأخبار 26/4/2014). القسم الأول الذي انطلق بداية الأسبوع الأخير من الشهر الماضي شهد نشاطات فنية كانت للموسيقى حصّة فيه تمثلت في أمسيات أبرزها للمغنية الجنوب أفريقية ميس ليرا والمغنية الإيرانية ماهسا فاهدات.
«مهرجان الربيع» يقام كل ربيعَين، ما يتيح للمنظمين بحثاً هادئاً عن أسماء من العالم، معظمها لا نسمع بها كثيراً في الإعلام. هذا ما يجعل منه موعداً محترماً لما يُسمّى بموسيقى الشعوب. المهرجانات في لبنان تحجز غالباً يوماً (ونادراً أكثر)، لفنان يمثّل هذه الموسيقى مع العلم أنها الأغنى بين جميع الأنماط. فموسيقي كوبي، مثلاً، قد يمثل جميع زملائه، من الصين إلى زيمبابوي وإندونيسيا والعراق وألبانيا! لكن «مهرجان الربيع» يعتبر متخصصاً في هذا المجال.
أساساً ماذا يعني مفهوم موسيقى الشعوب؟ وعلى أي أساس يتم التصنيف؟ هل هي الموسيقى الشعبية التي لا تنتشر وتأتي (حكماً) من بلدان العالم الثالث؟ على الأرجح هذا أقرب توصيف لها كما يطرحها الإعلام العالمي منذ ما قبل التسعينيات. أما الملاحظة الأخيرة في هذا السياق، فتطال واحدة من الخصائص التي ألصِقَت بهذه الموسيقى، أي «شطارة» بعض فناني العالم الثالث (والشرق الأوسط هو رأس الحربة والحيّة) الذين يبتدعون أي شيء خصوصاً المزج بين الحضارات لترويجه في بلاد بعيدة، يقف شعبها ونقادها عاجزين عن إبداء رأي بما يجهلونه فيرحّبون به بما يليق بأصول الضيافة لا أكثر (أمثال السوري عابد عزرية الذي يستحق لقب صاحب أسوأ تجربة فنية عربية غناءً وتأليفاً).
إذا أردنا أن نعرف كيف تعبِّر الشعوب (تحديداً تلك التي لا تحكم العالم) عن نفسها بالموسيقى، فليس لدينا عملياً سوى هذه الفرصة. في السابق، ركز «مهرجان الربيع» على آسيا الوسطى. سمعنا أصواتاً أجمل من معظم تلك التي نعتبرها جميلة في وطننا العربي أو الغرب ورأينا وجوهاً أصدق وأجمل من تلك التي تغزو شاشاتنا واكتشفنا آلاتٍ تُعتَبَر إعجازاً بشرياً في الصناعة الفنية. هذه السنة سلّط المهرجان مجهره صوب القارة السمراء... وباستثناء أمسية المغنية الإيرانية، ماهسا فاهدات، صاحبة الصوت الفارسي الجميل، فجميع الحفلات يحييها فنانون من أقطار القارة الأفريقية بين شمالها العربي وجنوبها المُتحرِّر. هذا المساء، موعدٌ مع المغني وعازف الغيتار أوليفر متوكوتزي (زيمبابوي) الذي يتمتّع بشهرة كبيرة في بلاده وبأخرى مقبولة نسبياً خارجها. بعضهم سمع باسمه كسفير للنوايا الحسنة لدى اليونيسف، لكن الرجل أصدر أكثر من 50 ألبوماً ويستحيل أن ندّعي معرفته قبل العمل عليها سمعاً وترجمةً للنصوص وتبياناً لخفايا اللغة والمعاني! كذلك هي الحال بالنسبة إلى نوال من جزر القمر (مساء الجمعة)، الدولة العربية الأبعد عنا (بكل المعاني). وبحكم الجغرافيا (شمال غربي جزيرة مدغشقر) والتاريخ الإسلامي، تتأثر موسيقى الفنانة نوال بالأنغام والإيقاعات الأفريقية من جهة والنَفَس الصوفي من جهة ثانية، وكذلك هي الحال بالنسبة إلى اللغات التي تنطق بها في أغانيها وإنشادها. مع الإشارة إلى أننا نتحفّظ على أمرَين: الأول موسيقي ذو علاقة بصوتها الذي يشوبه – رغم نبرته المميزة – ضعفٌ واضح ينتج منه نشاز حتى في تسجيلات الاستوديو. الثاني سياسي وهو نظرتها الساذجة (في أحد أناشيدها) إلى الصراع في الشرق الأوسط. من جزر القمر، نتّجه نحو تونس لنصل السبت المقبل إلى أمسية بديعة بوحريزي وهي من تنظيم «ريد زون»، المهرجان الذي يدعم عموماً التجارب الشابة التي تحمل قضايا جيلها وشعوبها. من هنا لن تكون أمسية بوحريزي تقليدية، بل أقرب إلى الغربي الحديث رغم ما تحمله من تأثيرات تونسية وأخرى آتية من العصب الأفريقي. من السبت المقبل استراحة موسيقية حتى 24 الجاري حيث يستضيف «دوار الشمس» الجنوب أفريقية زكي إبراهيم. الابتعاد التدريجي عن مبدأ موسيقى الشعوب مع بديعة بوحريزي يصل إلى ذروته مع زكي التي تشبه أي فنانة من أميركا أو كندا (حيث وُلِدَت) أو بريطانيا (حيث عاشت). فهي من طينة البوب التجاري الأميركي (أو المنسوخ عنه) وفي أحسن الأحوال تلامس الـR&B الحديث. المشكلة هنا ليست فيها بل بمكان الحفلة التي يجب نقلها فوراً إلى مساحة مفتوحة وواسعة... والطقس يسمح بذلك.
أخيراً، عودة إلى الشمال مع عزيز سحماوي (26 الجاري). المغربي سيقدّم أغانيه التي تدور في فلك الكناوة (Gnawa) المغاربية أشهر نمط غنائي شعبي في المغرب والجزائر نغماً. أما نصاً فتلقي الضوء، أحياناً، على الوضع الاجتماعي والسياسي (في المغرب والعالم العربي).


«مهرجان الربيع»: حتى 26 أيار (مايو) ـــ مسرح «دوار الشمس» (الطيونة _ بيروت) ـ للاستعلام: 01/381290