وسط الشوارع البيروتية التي غطّاها الزجاج المتناثر والدماء المتساقطة على الأرض، إضافة إلى وجوه المارّة المفجوعين بما حدث، في الرابع من آب (أغسطس) الماضي، تخلّى بعض المراسلين والمصوّرين بدورهم ولو لوقت قليل، عن مهامّهم في نقل الصورة والحدث، وراحوا إما يسعفون الجرحى، أو يساعدون في تتبّع المفقودين وقتها. كثيرة هي القصص التي طبعت أحوال المراسلين والمصوّرين، في ذاك اليوم، بعدما هرعوا إلى الشوارع وداخل المرفأ وما كان يحتويه هذا المكان من مآسٍ، لأناس استشهدوا هناك على الأرض أو ابتلعهم البحر. لعلّ الحادثة التي اختبرها المصوّر حسن شعبان في ذاك اليوم، كانت الأكثر وقعاً، عندما وصل إلى المرفأ، وراح يلتقط الصور إلى أن صادف شخصين مطروحين أرضاً، واعتقد بأنهما فارقا الحياة، ليحرك أحدهما يده بعد سماعه صوت عدسة الكاميرا، ويستنجد بشعبان. ترك الأخير كاميرته وهرع إليه وطلب المساعدة له ولزميله الذي كان عالقاً تحت السيارة. حادثة ربما إعادة سردها، أو حتى تخيّلها قد يبعثان الكثير من المشاعر الإنسانية الصعبة، خاصة مع وفاة أحدهما لدى نقله من المكان. لكن قد يكفي هنا، ما فعله شعبان من تركه لعمله الصحافي لمصلحة تعزيز الجانب الإنساني، بخلاف ما قد يفعله كثيرون غيره، من إعطاء التوثيق درجةً أعلى من إنقاذ الإنسان. في حلول الذكرى السنوية الأولى على تفجير المرفأ، تتداعى أمامنا صور بالجملة، وثّقت لذاك النهار، وبعضها حمل الطابع الأيقوني، لما اختصر من معان إنسانية عالية. نستذكر هنا، صورة المسنّة مي ملكي (79 عاماً) التي جلست وسط خراب بيتها في بيروت، على آلة البيانو وراحت تعزف هرباً من هول الدمار المحيط بها. ولا ننسَ أيضاً الصورة الأيقونية للزميل بلال جاويش التي التقطها عن طريق المصادفة للممرضة باميلا زينون في «مستشفى الروم» وهي تحمل التوائم الثلاثة على يديها، وفي الوقت عينه تُجري اتصالاً لمحاولة إسعافهم، فيما شعرها مغطى بالغبار، وكل ما حولها يشي بكارثة كبرى حلّت على المكان. الصورة التي لاقت شهرة محلية وعالمية واسعة، كرّست من جديد مفاهيم الإنسانية العالية، التي تحلّت بها الممرضة الشابة، لإنقاذ الرُّضع، وذهبت بنا، وسط الخراب إلى فسحة من الأمل. كثيرة هي الصور التي انتشرت وقتها، وغالبيتها ملتقطة عبر الهواتف المحمولة، أو موثقة في كاميرات المصوّرين المحترفين، وكل منها حمل قصة إنسانية، وفرصة للنجاة أيضاً رغم الدمار المحيط بها، أو الدماء التي غطّت الأجساد والوجوه، كصورة الرجل الذي غطّته الدماء وحمل طفله المولود للتوّ على يده في رواق المستشفى، أو صورة الرجل الذي أغمض عينه، واتّكأ على قطعة حطام حديدية، فيما الدماء تسيل على وجهه في المرفأ (عدنان الحاج).