رغم مرور عام على الانفجار الذي هزّ العاصمة وراح ضحيته مئات الشهداء وآلاف الجرحى، إلا أنّ الإعلام لحظتها لم يكن قادراً على نبش كل القصص والمآسي الانسانية التي حصلت وقتها. في ذكرى مرور عام على الكارثة، حاول بعض الاعلاميين نبش قصص وتفاصيل وسردها بأسلوب بسيط ومؤثر. بعيداً عن لعبة التجاذبات والاستثمار السياسيين، دارت كاميرات القنوات العربية واللبنانية من أجل تصوير حكايا إنسانية بالكامل، عن وجوه لها أسماء وأحبّة ومكان سقطت في الانفجار الرهيب. «لكل حدا حكاية»، بهذه العبارة يمكن اختصار رواية بعض الضحايا والناجين. حكايات لا تشبه بعضها بعضاً، رسمها القدر في ثوانٍ. في هذا السياق، تسابقت الشاشات على اختلاف جنسياتها، لمقابلة الأهالي الذين كانوا مادة دسمة يمكن الاحتفاظ بها كأرشيفٍ يستعاد في أي مكان وزمان. اعتمدت ريبورتاجات التلفزيونات على المؤثرات الصوتية والبصرية للتأثير بالمشاهد بشكل أكبر، فافتُتحت غالبيتها بموسيقى حزينة وربط صورٍ للضحايا قبل الانفجار وبعده. لا يعرف مالك الشريف من أين أتى بهذه القوة كي «لا يفرط» أمام مستشفى الجامعة الاميركية في بيروت حين كان يقوم بعمله كمراسل في قناة lbci لتغطية خبر الانفجار. يقول الشريف في حديث سريع لـ «الأخبار» إن كلّ ما يتذكّره أنه رأى طيف والدته أمامه وقد تجسّد في والدة الشهيد حمد العطار التي وقفت إلى جانبه، لتسأله عن ابنها حمد العطار. لائحة الضحايا كانت بين يدي الشريف، لكن عند سؤال الأم عن مصير ابنها، تجاهل الأمر، مع أنه قرأ الإسم بعينيه ولم يملك القدرة على لفظه. قبل شهر تقريباً، أطلقت lbci حملة بعنوان «كلّ يوم هو 4 آب»، تتضمن تقارير ضمن نشرة الأخبار وإعلانات من وحي الانفجار. اللافت أن التقارير التي تبث يومياً، يرتفع فيها منسوب الأسى إلى درجة قد لا يحتملها المشاهد. فقد أطلّ الشريف في تقرير أعدّته ساندرا أيوب ضمن نشرة أخبار lbci، راوياً حكاية والدة العطار التي سبّبت له متاعب نفسية صعبة. جسّد الشريف واقع كل صحافي يعيش الأسى ويكون شاهداً على المجزرة، ويحاول السيطرة على نفسه في الوقت عينه. تركت حكاية العطار آثاراً نفسية كبيرة على المراسل، ومنعته من رؤية أمّه لأسابيع عدّة، قبل أن يقرّر أخيراً ملاقاة والدة الشهيد.
اعتمدت ريبورتاجات التلفزيونات على المؤثرات الصوتية

في اللقاء بينهما، اختلطت الدموع بين المراسل والأم الثكلى على أكثر من نصف ساعة متواصلة، لكسر حاجز يصعب الشفاء منه. على قناة lbci التي تميّزت بتقاريرها عن الضحايا، تقرير لافت للمراسلة ريمي درباس عن الجريحة لارا التي لا تزال غارقة في كوما في أحد المستشفيات إثر إصابة خطيرة تعرّضت لها. لارا التي تعمل في أحد مكاتب بيروت، أرادت الخروج باكراً من عملها للذهاب إلى منزلها بحجة النوم. يومها، طلبت من زميلة لها إيصالها إلى منزلها، فأخذت قيلولتها ولم تستيقظ منها بعد. حكاية مؤثرة لفتاة مليئة بالحياة، غدرتها إصابة داخل منزلها الذي تهدّم، وكان يمكن أن تكون على قيد الحياة لو بقيت في مكتبها. يشعر رفاقها بحزن على فتاة في عمر الورد، فيتذكرونها في فيديوهات صوّرت قبل الانفجار، وهي تضحك ساخرة من الحياة. على الضفة نفسها، كان لقناة «سكاي نيوز العربية» تقريرٌ مؤثرٌ عن العروس إسراء السبلاني التي كانت تلتقط صور زفافها في وسط بيروت في اللحظة التي وقع فيها الانفجار. فقد تحوّلت أجمل ذكرى في حياة الطبيبة اللبنانية إلى أتعس لحظة سترافقها طيلة حياتها وفق ما تقول في التقرير بلغة بسيطة ونبيلة. على عكس باقي العرائس، لا تحتفظ السبلاني، بأيّ صورة لزفافها في منزلها. رفضت استكمال الاحتفال، لتشارك اللبنانيين في كارثة بحجم وطن. باختصار، تتجه كاميرات الشاشات نحو أهالي الضحايا للاستماع إلى قصص إنسانية بامتياز، ستكون مادة دسمة في الإعلام. فلا حزن يعلو فوق حزنهم، من هنا حتى نهاية الحزن.