على أعتاب الذكرى الأولى لتفجير مرفأ بيروت والتي تصادف اليوم، تهافتت وسائل الإعلام المحلية والأجنبية على تسليط الضوء مجدّداً على هذه الفاجعة الوطنية من زوايا مختلفة. هكذا، رأينا ــ ولا نزال ــ حلقات وتقارير بالجملة تنقل المشهد بعد 12 شهراً من الكابوس. وفي خضمّ أداء إعلامي يغلب عليه الاستثمار العاطفي الذي يولّد الاشمئزاز أحياناً، تبرز تجارب صادقة وحقيقية تستأهل التطرّق إليها. يوم الأحد الماضي، أفرج الإعلامي اللبناني فراس خليفة عن حلقة جديدة من برنامج «شارع الحمرا» الذي يقدّمه على +LTV (لنا بلاس سابقاً ــ 21:00). ساعة وربع ساعة مخصّصة لثلاثة صحافيين نجوا من تفجير الرابع من آب (أغسطس) 2020: حسّان الرفاعي، هلا حدّاد وميليا بو جودة.من هم الضحايا، وهل هم فعلاً من خسروا حياتهم ومضوا؟ وهل الأشخاص الذين لم ينل منهم الموت لسبب أو مصادفة ما هم حقّاً ناجون؟ أم أنّهم كما يقال: «يموتون كلّ يوم وسط هذا الجحيم الكبير الذي نعيشه»؟ بهذه التساؤلات، بدأ مقدّم برنامج «الضوء الأخضر» سابقاً (إذاعة «صوت الشعب») حلقته التلفزيونية التي قدّم فيها أداءً هادئاً ومتوازناً كعادته، وصوّرها في محترف ناصر عجمي الذي طاولته حصّة كبيرة من الدمار في منطقة الرميل (الأشرفية).
هكذا، أصغى خليفة إلى ضيوفه وحاورهم، فاسحاً أمامهم المجال للإدلاء بشهادات وتقديم روايات عن اللحظات التي سبقت الساعة السادسة وسبع دقائق من عصر ذلك اليوم المشؤوم، وتلك التي تلتها. تفاصيل اللحظات التي مرّت وكأنّها دهر. إلى جانب انخراطهم في المعترك الإعلامي، المشترك بين الثلاثي هو الجرح! وبالإضافة إلى الذكريات الأليمة والصور العالقة في الذاكرة، أبدى حسّان وميليا وهلا رأيهم في ما يجري وطريقة التعاطي مع الملف سياسياً وقضائياً وعدم وجود رواية واضحة تفسّر ما حصل.
على الرغم من العزيمة الواضحة على الاستمرار، بدا التعب والانكسار واضحَيْن على وجوه هؤلاء. تعبٌ جسدي ونفسي لا يزال يلقي بثقله على كاهل اللبنانيين جميعاً. تناول الصحافيون الثلاثة كذلك مسألة عودتهم إلى الأمكنة التي أصيبوا فيها، وعن معاناتهم الجسدية والنفسية المستمرّة لغاية اليوم ولن تنتهي قريباً بطبيعة الحال.
صُوّرت الحلقة في محترف ناصر عجمي في الرميل (الأشرفية)


مبديةً قدراً كبيراً من الصلابة، أخبرتنا هلا حدّاد عن جروحها البالغة في الرئة، وما تذكره من إصابتها في منزلها في مار مخايل القريب جداً من موقع التفجير. وأكّدت رئيسة البرنامج العربي في «راديو صوت فان» أنّها على يقين بأن «لا عدالة على الأرض».
أما ميليا بو جودة التي تحاول جاهدةً التغلّب على ندوبها العميقة، فروت أيضاً تفاصيل تلك الثواني الصعبة التي أمضتها في بيتها القريب من «مستشفى القديس جاورجيوس» الذي انتقلت إليه قبل أشهر من الكارثة قادمةً من الضيعة. والمفارقة أنّها كانت محجورة في منزلها تنتظر نتيجة الفحص الذي يثبت تعافيها من فيروس كورونا. الصحافية التي طاول الزجاج المتشظّي مواقع مختلفة من جسدها، وصفت المشهد على الأرض حين نزلت إلى الشارع في محاولة للوصول إلى مكان تداوي فيه نفسها. مشهد مروّع يسوده الصمت والخراب، وكأنّه من فيلم عن نهاية العالم. علماً بأنّ ميليا شاركت في حملة لـ «اللجنة الدولية للصليب الأحمر» تؤكد أنّه «في جروح بتنشاف، بس #في_جروح_مخباية»، وأنّ «#الصحة_النفسية ما بتقل أهمية عن الصحة الجسدية»، وفق ما يرد على حسابها على فايسبوك.
وبالانتقال إلى حسّان الرفاعي، المراسل الشجاع المفعم بالحماسة والحيوية الذي انضم أخيراً إلى lbci، فقد تعرّض لنزيف خطر في الرأس أفقده حالياً حاسّتَي الشم والتذوّق. في تلك اللحظات السوداء التي عاشها عاشق البحر ورياضة الغطس، كان جلّ ما يفكّر فيه هو ابنه «زين» الذي لم يكن عمره يتجاوز الأشهر في ذلك الوقت، وزوجته «ريما» التي أراد طمأنتها بأيّ شكل أنّه على قيد الحياة. بعد مرور سنة على المصاب، تمكّن الشاب الثلاثيني من مواجهة مخاوفه وعاد إلى موقع التفجير، لكنّ أمله مفقود في ظهور الحقيقة. فالمسألة في نظره «نتيجة طبيعية لهذا النظام القائم والتركيبة المكرّسة»!