«باترسون» (2016) فيلم حول لا شيء وكل شيء في آن. فيلم عن الشعر والشغف والحب والفن والتأمل والتفاصيل والمدينة... عن جمال الكلمات، وكيفية إختيار ما يناسب الناس في هذه الحياة التي يعيشونها. يجسد الفيلم صورة جميلة عن الإنسان والحياة، عن جوهر حياتنا وحياة الأفراد من حولنا.يدور الفيلم خلال أسبوع واحد، بدءاً من الإثنين، من حياة باترسون (آدم درايفر)، وهو سائق حافلة في مدينة باترسون، في نيو جيرسي (يحمل اسم مدينته كأنّنا به صنوّها الشعري). كل يوم يتّبع باترسون الروتين ذاته. يستيقظ في السادسة والربع صباحاً، يقبّل حبيبته النائمة، يتناول الفطور. يسير نحو مرآب الحافلات، يقود الحافلة طوال اليوم، يعود إلى المنزل ليلاً، يتناول العشاء (أنواع وأطباق غريبة تصنعها حبيبته). بعد الانتهاء من العشاء، يخرج برفقة كلبه مارفن في نزهة، يتوقف عند الحانة، يجرع كأساً واحداً، يصغي إلى أحاديث الرواد، من ثم يعود إلى مسكنه. خلال قيادة الحافلة، يصغي إلى حكايا الركاب. وعند الوصول إلى المحطة، يتوقف عن السير للاستراحة. لكن باترسون هو شاعر يدوّن قصائده على دفتر صغير يحمله معه دائماً. الشعر هو شغف باترسون في الحياة، ذلك الشغف الذي يجيده. صديقته وحب حياته لورا (غلشيفته فراهاني) تمضي وقتها في البيت، تتفنن في صنع أشكال مختلفة من الكعك والحلويات ودهن الجدران وصنع الستائر وتمتلك ذوقاً غريباً في كل شيء يواجهه باترسون بالصمت وبملامح تحاول إخفاء صدمته. يركز الفيلم على أسبوع واحد من حياتهما، وكل يوم يجلب روحاً جديدة حول موضوع معين. كل لحظة هي انعكاس لشخصين يحبان بعضهما ويتقبلان بعضهما (هي انفعالية وعاطفية مشاعرها جليّة على وجهها وتنخرط في ألف مشروع ومشروع، وهو بارد لا يعبّر عن دواخله) ومخلصان لبعضهما إلى أبعد الحدود.
باترسون ولورا لا ينتظران الحياة كي تمنحهما السعادة والاكتفاء والارتياح، بل يصنعان كل هذا بطريقتهما الخاصة. يعلمان أن الرضى في الحياة لا يعتمد على اقتناء الأشياء أو تراكم الأمور، بل ما يمكن إضافته إلى الحياة. فيلم بسيط عن البسطاء الذين يعيشون حياتهم بطريقة عادية مع كثير من الشغف، الحب والسعادة. «أردت أن أصنع عالماً صغيراً وهادئاً، عن أشخاص تتمحور حياتهم حول نفسهم» هكذا يعلّق المخرج والكاتب جيم جارموش على الفيلم. يحتاج المشاهد إلى مزاج تأملي، ليغوص في ما يقدم جارموش، ينسى الوقت ويبتعد عن العالم الحقيقي من حوله، كي يسلّم نفسه مستمتعاً بكلمات الشعر المتطايرة أمامه من على الشاشة.
Paterson على نتفليكس