بعدما انفطر قلبي حزناً كيف أرثيك صديقي وزميلي وسام متى وأنت لا تحبّذ المراثي وسراديب الحزن والأسى؟ لقد استحققتَ محبّتنا الغامرة، وكانت مزاياك تسبقك إلينا، وروح النكتة اعتمرتَها حتى في أحلك الظروف! أتذكّرك باسماً يا صاحب الجود والأخلاق الحميدة، وبعد سرعة انفعالك في احتدامه، كنتَ متسامحاً مع الذين اختلفتَ معهم. كنتَ طيّب النفْس والقلب ممتشقاً صفاء الودّ، ودائم الانشغال في انكبابك على كتابة مقالات وتحقيقات مميزة، موائماً بين السهل اليسير والأصعب... قابضاً على اللحظة في الكاميرا الاحترافية التي لم تفارقك في الشوارع والساحات في لبنان والعالم العربي ودول العالم (إسبانيا وروسيا وتركيا والسويد وأذربيجان ومصر واليمن والجزائر...) حيث تمحور اهتمامك أيضاً حول الثقافة التي تشتمل على السمات الروحية والمادية والعاطفية والفكرية التي تُميّز مجتمعاً بعينه أو مجموعة اجتماعية بعينها، وتعكس طرائق الحياة وأساليب العيش، كما تشمل الحقوق الأساسية للإنسان ونُظُم القيم والتقاليد والمعتقدات، وتتلفّف بالفنون والآداب. كان حلمك أن تكون رائداً في «صحافة الرحلات» وكنتَ تُخطّط للتفرّغ لها في المستقبل، وكنت تعدّ كتاباً ـــ لم يُكتَب له أن يُبصر النور ـــ يحتوي على العديد من نصوصك وأبحاثك ومقالاتك في هذا المضمار، مقرونةً بصوَرك الفوتوغرافية... وسعيتَ جاهداً إلى تعريف القارئ اللبناني والعربي بالثقافة الروسية وأعلامها، خصوصاً على مستويَي الأدب والموسيقى (تشيخوف، شولوخوف، دوستويفسكي، غوغول، تولستوي، ريمسكي - كورساكوف، تشايكوفسكي، وسواهم) من خلال أقلامٍ وأصواتٍ عدّة في لبنان والعالم العربي، إنْ في موقع «المسكوبية» الذي أسّستَه بمفردك أو في إذاعة Moscobia FM التي أسّستَها وأطلقتَها عبر الإنترنت في حزيران (يونيو) 2021 وكانت غالبية برامجها ثقافية بحتة كنقطةِ انطلاق، ولا نعرف ما مصيرها بعد اليوم.
كانت «صحافة الرحلات» حلمه والثقافة جزءاً أساسياً من أولوياته

بَصمتُك وأثرك حُفِرا في الإعلام وقد كنتَ متخصّصاً في الشؤون العربية والدولية، لا سيما الشأن الروسي، فيما لم تكن الثقافة بالنسبة إليك تشكّل ترَفاً للتزيين على الهامش، بل جزءاً حيويّاً وأساسياً من أولوياتك وفق رؤيتك للصحافة المعاصرة ومقتضياتها. تولُّعك بالصحافة والإعلام اقترن بموهبتك ومثابرتك وجديّتك في العمل وباجتراحك سلسلة من المشاريع المتوازية، على عكس جنوحك إلى المرح وصولاً إلى الهزل في فضاء الاستراحة، وقد استرحت الآن إلى الأبد وزاحت عن جبهتك ووجنتيك الغمائم. لا أعرف كيف نزف شريان رأسك فجأةً، غير أني أعرف أنك كنتَ نفّاثاً، ودينامو، ومشاكساً ظريفاً، وطفلاً عنيداً يتشبّث ببراءته وملاذه حيث يَحْلَو اللعب في عينيه.وسام متى، مراسل وكالة «سبوتنيك» الروسية في بيروت منذ عام 2016، رئيس تحرير موقعَي «بوسطجي» (اللبناني) و«المسكوبية» («جسر التواصل بين المشرق العربي وروسيا»)، الكاتب في هيئة تحرير موقع «180 بوست»، الزميل النبيل منذ زمن جريدة «السفير» (محرّراً ثمّ رئيساً للقسم العربي والدولي 2006-2016)... ثم بعد ذلك مدير قسم الأخبار في إذاعة «صوت الشعب» (2016)، ومستشار القسم العربي والدولي في جريدة «الأخبار» (2017-2018)... رحيلك خسارة موجعة. نحن أصدقاؤك ورفاقك وأحبتك الذين يسيل دمع عيوننا في وداعك يعزّينا أنّ روحك تلامس السماء.
تسكننا أصداء قهقهاتك فيما لا نقوى على إدراك كُنْه عبثية الأقدار.
النهاية لم تكن متوقَّعة، لا سيما أنك لا تزال في عزّ شبابك ودفْقك. نَمْ يا وسام مطمئناً معانقاً المطلَق.