القاهرة | لا أفهم يا رفيق كيف تمكّنت أن تُبقي على عاداتك القديمة تلك بعد انصرافك، من دون إذن.هل تذكر يا وسام عندما كنت تفاجئني في اللحظات الأخيرة بطلب كتابة مادة خلال أقل من ساعة، بسبب مستجدات وأحداث، وإذا اعترضت عليك لضيق الوقت كنت تباغتني بالحجة الدامغة: «طب قول لهم يبطلوا تفجير كنايس»، أو «قول للمسؤولين تبعكو يبطلوا تصريحات وقرارات»، لتبدل فوراً أجواء العمل العصبية إلى ضحك وبهجة وتنهيها بعبارتك: «خلص يا رفيق أنت إذا عطست على الكيبورد المادة بتنكتب».
هل هذا ما تقوم به الآن. بمجرد تلقّي خبر رحيلك، أصبح مطلوباً مني أن «أعطس على الكيبورد» لأكتب مادة عنك. هل تحاول مجدداً تبديل أجواء الحزن والكآبة التي صاحبت رحيلك المبكر، لتدفعني إلى خزانة الذكريات حيث لا أجد سوى البهجة؟ حسناً يا رفيق، يبدو أنك نجحت مجدداً، فها هي ذكريات البهجة تعلو أجواء الكآبة ليطغى حضورك المبهج على رحيلك الكئيب.
ها هي الذكريات كلها يا رفيق أضعها أمامي لتفاجئني بأن كل هذا التنوّع في الذكريات، يمكن جمعه في وعاء واحد كبير، وعاء البهجة، فلا تخلو ذكرى جمعتني بك من البهجة. حتى في الأوقات العصيبة والأزمات، كانت البهجة دائماً عنواناً وخاتمة، عندما كانت أوضاع العمل تضغط علينا ونغضب من مواقف البعض، لم نكن نفتقد البهجة في وجودك. عندما كنا نختلف ونختصم في السياسة، كان الجدل لا ينتهي سوى بالضحك والنكات. وعندما كنا نجوب مطاعم القاهرة وشوارعها لننتزع تلك البهجة من على موائد الطعام ومقاعد المقاهي، كنت تتباهى بمعرفة القاهرة أكثر من أهلها، وكنت تسخر من تأخر حصولك على تأشيرة دخول القاهرة، وتقول إنك أولى بدخول مصر ممن يمنحك التأشيرة. لم يكن شيء يستعصي على سخريتك، ربما ليس صدفة أنك غبت عن الوعي أياماً قبل رحيلك، فحتى الموت لم يكن ليصمد أمام سخريتك إن كنت واعياً، فاختار مباغتتك ومباغتتنا وأنت غائب عن الوعي. هل تتذكر كيف كنت توزّع وقتك خلال زياراتك القصيرة لمصر، بين هذا الحشد الضخم من الأصدقاء، حتى يحصل كل صديق على نصيبه من البهجة، وحتى يحصل كل مكان في القاهرة أيضاً، كل شارع وكل مقهى وكل مطعم على نصيبه من البهجة التي كنت تضفيها أينما ذهبت؟. هل تتذكر يا رفيق كيف كنت ممثلنا في بيروت، كانت النصيحة الأولى لكل زائر مصري نعرفه يتوجه إلى بيروت أن يلتقي وسام، كما لو كنا ننصح بزيارة أحد معالمها، وكان كل عائد من بيروت لا يحكي عنها من دون أن يحكي عنك.
هل الحزن والكآبة اللذان يخيّمان اليوم على الوطن الذي أنجبك والأوطان التي اخترتها، صارا أكبر من قدرتك على صناعة البهجة؟ هل لهذا ترحل مبكراً، ربما، ولكن حتى مع هذا الرحيل، بإمكانك ترك الكثير من البهجة، في كل مكان زرته، وفي قلب كل من قابلته، وحتى أولئك الذين لم يلتقوا بك ورأوا البهجة على وجه وقلب من عرفوك.
اليوم يا رفيق نعرف أن اللقاءات التي تأجّلت بسبب الوباء والكوارث لن تحدث أبداً، وأننا لن ننصح زوار لبنان بمقابلة وسام، ولن نعد شوارع القاهرة والإسكندرية ومقاهيها ومطاعمها بزياراتك، سنخبرهم جميعاً أن يكتفوا بما منحته لهم من البهجة، سننصحهم بحفظ ما حصلوا عليه من ذكريات معك لأنك لن تمنح المزيد من الذكريات، سنُقنعهم أن ما صنعته من البهجة وما تركته من الحب في قلوب من قابلتهم يمكن أن يكفي لمواجهة الوجع الذي تركه رحيلك. أما عنك يا رفيق وعن عنوانك الجديد، فنعرف أنك أينما كنت، ستحلّ البهجة.