يقسم علماء التربية الأمومة إلى ثلاثة أنواع: الأمومة الكاملة (بيولوجية ونفسية)، الأمومة البيولوجية والأمومة النفسية. في الجزء الثاني من مسلسل «ليه لأ» (فكرة دينا نجم التي تعاونت في كتابة السيناريو والحوار مع مجدي أمين ورانيا حسن وسلمى عبد الوهاب، تحت إشراف مريم نعوم ــ إخراج مريم أبو عوف ــ إنتاج E Producers ــ بطولة: منّة شلبي، أحمد حاتم، مراد مكرم، مها أبو عوف، دنيا ماهر، سارة عبد الرحمن، منى أحمد زاهر، سليم مصطفى، وغيرهم)، نحن أمام مفهوم واسع للأمومة من وجهات نظر مختلفة. يطرح صنّاع العمل المؤلّف من 15 حلقة وانتهى عرضه أخيراً على منصة البثّ التدفّقي «شاهد VIP»، أسئلة عدّة حول إذا ما كانت الأمومة غريزة وإحساساً فطرياً يولد لدى النساء، أم أنّها مَلَكة مكتسبة مع الوقت أساسها الإرادة والعاطفة الخالصة. باختصار، تكمن المعادلة الأساسية في الأمومة كـ «قدر» محتوم أو «خيار».ترصد الأحداث حكاية طبيبة العيون «ندى» (37 عاماً ــ منّة شلبي)، التي ترغب في كفالة طفل من دار لرعاية الأيتام. ستتمرّد «ندى» على الرضوخ لفكرة الزواج في سن معيّن بهدف تحقيق رغبتها بالأمومة. تعيش الشابة حالة من الحيرة إزاء مدى صواب قرار مصيريّ ستتخذه، وتخوض صراعاً داخلياً ومع المحيطين بها، في ظلّ مواجهة ضغوط كبيرة، فضلاً عن علاقتها بالطفل الذي ترغب في احتضانه ولا يتجاوز عمره السنوات السبع.
في هذا الإطار، سبق أن أشارت مريم نعوم في تصريح إعلامي إلى أنّ العمل «يتطرّق إلى موضوع التمرّد على المسلّمات، وهو مناسبة لنسأل لماذا علينا الالتزام بما اعتدنا عليه، وألّا نتمرّد على ما يُفرض علينا بحكم المجتمع والتقاليد؟».
بشيء من الرومانسية وكثير من الإيجابية، يقدّم «ليه لأ 2» فكرة كفالة الأيتام في المجتمعات العربية، ويخوض في مسألة شائكة وجديدة نسبياً على الدراما الناطقة بلغة الضاد. وإن كان أرشيف السينما المصرية يذخر بأعمال تناولت مسألة التبنّي، على رأسها: «بدل فاقد» (إخراج أحمد علاء ــ 2009)، «الصبر في الملاحات» (إخراج أحمد يحيى ــ 1986)، «لا تسألني من أنا» (إخراج أشرف فهمي ــ 1984)، «العذراء والشعر الأبيض» (إخراج حسين كمال ــ 1983)، «لحن الوفاء» (إخراج إبراهيم عمارة ــ 1955) و«الخطايا» (إخراج حسن الإمام ــ 1962).
يأتي ذلك بعدما ناقش في الجزء الموسم الأوّل الذي جسّدت بطولته أمينة خليل، استقلالية المرأة العربية وتحقيق ذاتها بعيداً عن العائلة والزواج، عن طريق حكاية شابة تقرّر الاستقلال عن عائلتها، وبسبب اعتراضهم التام تقرّر الهرب والاشتراك في مسابقة غريبة، يوفّر الفوز بها لها منحة دراسية ومكافأة مالية مغرية.
حرص القائمون على «ليه لأ 2» على إظهار إيجابيات ومصاعب التجربة، وإن بدت الرحلة في النهاية ميسّرة بعض الشيء مقارنة بما قد يكون عليه الواقع فعلاً. فقد تم التغلّب سريعاً على عثرات كبيرة وجوهرية. فهل يا ترى دور رعاية الأيتام كلّها بهذه النظافة والتنظيم والحرص؟ وهل كلّ القائمين عليها على هذا القدر من الأخلاق والتعاون والتفهّم؟ وهل المجتمعات العربية سريعة التأقلم والتقبّل لانخراط أطفال متبنّين بهذه السرعة والانفتاح، بعد فترة وجيزة من المقاومة الخجولة؟
لكن على أيّ حال، لا يمكن التغاضي عن طبيعة الحالة التي شكّلها هذا العمل الدرامي بين الجمهور، نظراً إلى أهمية موضوعه وتفرّده بطريقة أو بأخرى، وهو ما عبّرت عنه باقة متمكّنة من الممثلين الذين اختيروا بعناية. فكعادتها، تقدّم منّة شلبي أداءً قويّاً نابضاً بالمشاعر الحقيقية والكثير من الصدق والعفوية، فترانا نتحمّس ونقلق ونرتبك ونحبّ ونبكي معها. فيما يبرز أحمد حاتم كممثل «صفّ أوّل» من خلال نموذج عصري للرجل الشرقي. ومنذ اللحظات الأولى، يأسر ممثلان المشاهدين من دون عناء. إنّهما الطفلان سليم مصطفى ومنى أحمد زاهر، في أوّل تجربة من نوعها بالنسبة لهما. يجسّد الأوّل شخصية الطفل «يونس» الذي تقرّر «ندى» (منّة شلبي) تبنّيه. بعفويته وتلقائيته وذكائه الواضح، دخل الطفل الوسيم إلى القلوب من دون استئذان، ليتحوّل إلى «نجم» على مواقع التواصل الاجتماعي وعبر البرامج الحوارية على تلفزيونات المحروسة.
لا يختلف الواقع أبداً بالنسبة إلى منى التي تلعب شخصية الطفلة «سلمى» (ابنة المهندس الذي يؤدّيه أحمد حاتم). وهذا ليس مستغرَباً من ابنة الممثل المصري أحمد زاهر التي يعرفها الناس جيّداً عبر فيديوات تتشاركها مع أفراد عائلتها عبر «إنستغرام» و«تيك توك»، بعدما جذبت الأنظار بشخصيتها القويّة وخفّة ظلّها حين استضافت النجمة إسعاد يونس الأسرة في برنامجها «صاحبة السعادة» العام الماضي. باختيار هذين الطفلين، كانت تدرك المخرجة مريم أبو عوف جيّداً ماذا تفعل. فإلى جانب تطويع موهبتهما الجليّة، لا شكّ في أنّها استطاعت إدارتهما بشكل جيّد جداً، معلنةً ولادة نجمَيْن لن يأفلا قريباً!
وبعيداً عن النقاشات التي ولّدها «ليه لأ 2» على السوشال ميديا بين مستخدمين بآراء منوّعة، تترجم الأصداء الإيجابية التي أحدثها العمل في ما أعلنته وزارة التضامن الاجتماعي في مصر حول «زيادة أعداد طلبات كفالة الأطفال التي وصلت الـ 2700» منذ بدء العرض في العاشر من حزيران (يونيو) الماضي، وهو «أكبر عدد خلال عام واحد في تاريخ الوزارة»!

«ليه لأ 2»: متوافر على «شاهد VIP»