قبل سنتين، قدّمت كوزيت شديد عرضاً تحية لليلى مراد مع الفرقة الموسيقية ذاتها. ونظراً إلى نجاح التجربة وانجذاب المغنية إلى فن مراد، كان يفترض أن تستعاد الأمسية الليلة في «مترو المدينة»، إلا أنّها تأجّلت في اللحظة الأخيرة إلى موعد يحدّد لاحقاً. اختيار مراد جاء على أساس تفردها في مجالَي الطرب الشعبي والتمثيل. تقول لنا شديد: «كانت من الوجوه السينمائية البارزة بصوتها وأدائها عندما بدأ الإنتاج السينمائي. وكانت مطربة وفي الوقت عينه تؤدي الأدوار بخفة وطرافة. كانت تغني ثنائيات رائعة مع عبد الوهاب وفي الوقت عينه طربية وقريبة من الناس وبسيطة تشبه الأفلام والصورة. النغاشة في الصورة وأغنياتها التي تتمتع بقيمة فنية عالية دفعتانا إلى اختيارها وتعريفها إلى الناس وجعلهم يكتشفون أغنيات لعلهم لم يكونوا يدركون أنّها لليلى مراد». يرافق شديد عزفاً الموسيقيون خضر رجب (كمنجة)، وسام دبّول (قانون)، وسماح بو المنى (أكورديون) إضافة إلى بهاء ضو (بونجوز وطبلة) وأحمد الخطيب (رق) الذين سبق أن عملوا معها في الحفلة نفسها قبل سنتين. سيقدّمون باقة من أغنيات مراد المعروفة التي أدتها في الأفلام الأخيرة مثل «قلبي دليلي» و«يلا تعالى أوام» و«يا أعز من عيني» و«سنتين وأنا أحايل فيك» و«عيني بترف» و«أبجد هوز»، فضلاً عن دويتو «يا دي النعيم» الذي أدّته مراد مع عبد الوهاب والذي تستعيده الفنانة الشابة مع خضر رجب.
لا شكّ في أن استعادة أغنيات مطربة من طراز ليلى مراد يضع شديد في موقف نقدي ويفتح المجال أمام المقارنات التي لا مفرّ منها عندما يختار فنان ما توجيه تحية إلى مغنٍّ معروف. ومع أن شديد تتمتّع بالقدرات الصوتية المطلوبة وبالحسّ الفني الضروري لأداء مثل هذه الأغنيات، قد يتهمها بعضهم بأنها لم تؤدِّ بجمال الصوت نفسه أو الأداء ذاته، مع أن هذا النوع من المقارنات غير صائب، خصوصاً أنّ لكن فنان حقبته وخاصيته الفنية. تقول شديد في هذا الصدد: «هي مسؤولية كبيرة يضعها الجمهور على كاهليّ، عندما يأتي ليصغي إليّ. لذا أريد الحفاظ على القيمة نفسها التي أَدت فيها تلك المقطوعات، وفي الوقت عينه، أريد أن أظهر أسلوبي الخاص. التجربة جميلة وصعبة في آن. لا أريد أن يقول لي الناس إنني أقلّدها أو إني أصبتها تماماً».
تستعيد الأمسية أغنيتها الشهيرة في الأفلام الأخيرة التي قدّمتها


على الرغم من انقضاء سنتين على الأمسية التحية التي قدّمتها كوزيت شديد مع بقية الفرقة الموسيقية، لم يطرأ تغيير بارز من ناحية التوزيع أو البرنامج أو العازفين، ولكنها تؤكّد رغبتها في تقديم الأمسية بإتقان أكبر. يشاركها الغناء في دويتو «يا دي النعيم» عازف الكمنجة في الفرقة خضر رجب.
لا تخفي كوزيت شديد رغبتها في أن تكون لها أعمالها الخاصة أيضاً، مؤكدة: «أحب كثيراً هذا النوع من الأداء الطربي التراثي، ومحبتي لهذا النوع من الأداء مرتبطة أيضاً برغبتي في أن تكون لي أعمال خاصة تحتوي على شيء من هذا التراث. أنجزت عملاً خاصاً بالتعاون مع خالد الزين قبل ستة أشهر وكذلك عملنا على إعادة صياغة لموشح «يمر عجماً». التأثر بهذا النمط يدفعني إلى إنجاز أعمال خاصة بقالب جديد وأسلوب قريب من الناس يحافظ على جمال القديم أيضاً».
لم تبدأ مسيرة شديد الفنية في وقت باكر كما يحصل عادةً، بل تخبرنا بأنها اكتشفت صوتها وميلها إلى الغناء الطربي في عمر الرشد. درست في الكونسرفاتوار، ثم تلقت دروساً خاصة مع أسامة عبد الفتاح وتقدمت بالمصادفة للغناء في «المترو» في حين كانت تغني في حفلات ومناسبات خاصة.

كانت ليلى مراد مطربة وفي الوقت عينه تؤدي الأدوار بخفة وطرافة

من ناحية أخرى، العودة للغناء مع الفرقة الموسيقية نفسها يعني تناغماً معيناً بين العازفين والمغنية. تناغم يشكّل شرطاً أساسياً لإنجاح أي أمسية موسيقية، مهما تمتّع كل من الطرفين بالموهبة. تعليقاً على هذا التناغم، يقول العازف والمغني رجب خضر: «التناغم أكيد هو أمر طبيعي بين المطرب والفرقة. وبالنسبة إلى كوزيت، فهي فنانة رائعة أديت معها دورين في الغناء. دور «شحات الغرام» لمحمد فوزي وليلى مراد، ودور آخر عنوانه «يا دي النعيم» لعبد الوهاب وليلى مراد. كان التناغم من أهم نقاط نجاح الحفلة. وهذا الدويتو الغنائي يعيدنا إلى الزمن الماضي الجميل. فليلى مراد من الفنانين الجديرين بالاستمتاع بفنهم وأغنياتهم. هي فنانة قديرة جداً». أما ما يميّز أغنياتها من الناحية الفنية، فيرى خضر أن «كلّها إحساس وعاطفة كما في الزمن الجميل الذي انقضى وحلّ مكانه زمن رديء جداً. إذا استمررنا بالعيش مع أحلامنا وأغنيات ليلى مراد، ندرك أنها من أجمل الأزمنة التي عشناها». يضيف رجب على صعيد آخر أنه «في ما مضى، كان الجمهور هو الذي يجعل الفنان ينجح. وإذا كان الفنان يلفت الأنظار بأدائه وفنّه، فكان يحصل على شهادة ميلاد فنية لأن الجمهور أعجب به، وفي حال لم ينجح ولم يلفت انتباهه، كان يعطيه شهادة وفاة فنية. للأسف الجمهور اليوم سقط وحل مكانه زمن آخر. فقلة جداً ما زالت تعيش في الزمن الجميل». علاوة على ذلك، يشير إلى أن «الاغنية أصبحت رخيصة جداً وكذلك الكلام الذي كان آنذاك يشكّل نصف الأغنية فيما اللحن يشكّل النصف الآخر منها. باختصار، موسيقانا التي كانت إحساساً وعاطفة أصبحت معدومة في بلدنا وفي كل الوطن العربي».