بما أننا في أجواء بطولة أمم أوروبا، لا يمكن إلا أن نتذكر ونشاهد مرة أخرى أو عدة مرات، أفضل فيلم روائي قدم عن كرة القدم وما حولها. «كل ما أعرفه عن الحياة تعلمته من كرة القدم» بهذه العبارة لألبرت كامو، يبدأ المخرج الإيطالي باولو زوكا فيلمه الطويل الأول «الحكم» L’arbitro (2013). فيلم أول غير عادي، وغريب. في «الحكم» كرة قدم حقيقية، محرجة وعميقة وعاطفية. فقيرة لكنها مخلصة جداً للعبة. إنها كرة قدم الهواة، صورة كاريكاتورية لكل شيء. في «الحكم»، ليس هناك توتي ولا رونالدو ولا ميسي، إنها روعة الكرة غير المنظمة. فيلم كوميدي مصقول وأنيق، صُوِّر بذوق استثنائي. خفيف جداً، فكاهي أحياناً وملحمي أيضاً. من طموحات حكم إلى منافسة بين فريقين من الدرجة الثالثة في سردينيا، يحكي لنا زوكا أحلام ورغبات رجال مختلفين. شغف باللعبة في بلدة ريفية صغيرة، الحاجة إلى استعادة الحياة من خلال الإحساس بفرحة كرة القدم والحاجة إلى شيء ما للتعلق به للخروج من دناءة الحياة. وأخيراً وحتماً، «الحكم» يتحدث عن الحب.يروي باولو زوكا في «الحكم» قصتين متوازيتين في موطنه سردينيا، تلتقيان لاحقاً. من ناحية لدينا «أتلتيكو باباريلي»، أضعف فريق في دوري الدرجة الثالثة بقيادة مدرب أعمى! فريق يتعرض للإذلال بشكل منهجي من قبل فريق «مونتكراستو» الذي يديره مالك للأراضي ورئيس عصابة. تتغير الأمور تماماً عندما يعود ماتزوتزي (جاكوبو كولين) الموهوب إلى المدينة الريفية ويلعب مع فريق «أتلتيكو باباريلي». من ناحية أخرى، لدينا قصة الحكم الطموح ألبيترو كروتشياني (ستيفانو أكورسي) الذي يرتقي في حياته المهنية بقوة الفساد.
«الحكم» هو للجميع، خليط من الكوميديا والسخرية والسوريالية


يبدأ الفيلم بكرة القدم لينتقل بسهولة وخفة إلى نقد الأزياء والدراما الشعبية والكوميديا الإيطالية ويضيف القليل من الموسيقى كذلك. البعد الجمالي الذي يوفره اللونان الأبيض والأسود يرسم إضاءة مثالية. والميلودراما تلمح إلى العداوات والفساد الرياضي المتمثل في حمامات البخار والكاثوليكية والثراء. تمكّن زوكا من خلط كل شيء في كرة القدم وتوسيع الزمن ونطاق الإيماءات وشوّه الوجوه والأفعال. فعل كل هذه بواقعية إيطالية شعرية لا تخطئ. والنتيجة خليط من الاضطراب المثير للاهتمام والكوميديا والسخرية والسوريالية التي يُظهر زوكا أنه يستطيع التعامل معها بثقة.
«الحكم» كوميديا سوداء تظهر شغف كرة القدم وطبيعتها الغامضة بطريقة ممتعة. يكشف لنا كيف يمكن لهذه اللعبة أن تغيّر مبادئنا، من المحترفين إلى لاعبي الكرة في الحي، الجميع يريد الفوز على حساب أي حدث عرضي يقع، وهذا يعني أنّ تغيّرنا مع مجريات اللعبة فوري. كرة القدم، هي حافز وبطريقة ما توليفة من السلوكيات الاجتماعية. وبهذا المعنى، فإن «الحكم» هو هجاء جريء وغير تقليدي إلى حد ما. جنون وارتباك وغضب ومراوغة ونشوة والكثير من الغبار في الملعب. «الحكم» هو للجميع، لعشّاق كرة القدم وللذين لا يحبونها! فيلم يسخر من العديد من الأفكار المبتذلة التي نراها في كرة القدم، من دون ادعاء التنديد بأي شيء، بل فقط لمجرد الضحك على مدى سخافة كرة القدم للحظات، مثل استعارة المدرب الأعمى التي تشير إلى هؤلاء المدربين الذين لا يمكن لأحد أن يفهم قراراتهم... مورينيو؟