السينما الكلاسيكية الأميركية تحتلّ فيلم «امرأة في النافذة» (إخراج جو رايت ـ 2021 ـ نتفليكس). فهو يتشارك بالاسم مع فيلم فريتز لانغ العائد إلى عام 1944. الظلال والأضواء تشبه أفلام الـ Noir. ملامح أفلام هيتشكوك، بخاصة فيلم «نافذة خلفية» (1954) واضحة في الفيلم. الأفلام الكلاسيكية تهيمن على شاشة تلفزيون آنا (إيمي أدامز). مع ذلك، «امرأة في النافذة» لا يتشارك بشيء مع أيّ من هذه الأفلام. فيلم إثارة نفسية ذو حبكة معقّدة ومضخمة بلا داعٍ. إفراط في التمثيل. سرد مجزّأ. انقلابات وانعطافات مبالغ فيها، وليست مفاجئة بل مزعجة وتعسّفية.

فيلم المخرج الأميركي جو رايت («كفارة»، «أحلك ساعة»، «كبرياء وتحامل») مقتبس من رواية بالعنوان نفسه للكاتب أي. جي. فينّ. ولكن مع جو رايت، الحبكة واقتباس القصة إلى الشاشة الكبيرة هي المشكلة الأعظم. تعيش عالمة نفس الأطفال آنا بمفردها مع قطتها في نيويورك. هي منفصلة عن زوجها إد (أنطوني ماكي) وابنتهما أوليڤيا، ولكنها على تواصل دائم معهما. تقضي آنا وقتها في مراقبة الشقق المقابلة بالكاميرا الخاصة بها. هي لا تخرج من المنزل لأنها تعاني من رُهاب الخلاء. مع انتقال عائلة راسل إلى بيت في الجانب الآخر من الشارع، أقامت آنا علاقة صداقة مع ابنهما إيثان والأم جاين (جوليان مور). أصبحت آنا من خلال نافذتها ومراقبتها لأفراد العائلة كأنّها تعيش معهم. استراق النظر يجعلها شاهداً على جريمة قتل في منزل العائلة. وبما أنّ القصة نشاهدها من خلال وجهة نظر آنا، التي تقاوم هلوساتها بأدوية الاكتئاب والنبيذ الأحمر، كل شيء مشكوك فيه، بخاصة عندما ينكر ألستر (غاري أولدمان) كل ما حدث ويؤكد أن زوجته سليمة في البيت.
فيلم إثارة نفسية ذو حبكة معقّدة ومضخّمة بلا داعٍ


لا يثق رايت بالسيناريو الذي بين يديه. مع الانهيار التدريجي للقصة، تتصارع آنا مع عدم استقرار كيانها الداخلي، ونتصارع نحن في محاولة فهم ما يريد جو رايت منا ومن الفيلم وحتى من الممثلين. أكثر جو رايت من الأحداث والتفاصيل والشخصيات، ما خلق شعوراً بأنه يريد في معظم الأوقات رمينا بشكل عشوائي وروتيني من جزء إلى جزء من دون إغلاق أو تكملة ما بدأ به. هذا ما حوّل الفيلم إلى فيلم إثارة فارغ ومخجل بتناقض مع العمق الذي يحاول إظهاره.
رايت لا يثق أيضاً بمدير التصوير، على الرغم من أنّ التصوير يعمل كأداة لخلق حالة خانقة ومربكة، ما يجعل الفيلم أقرب إلى هدفه المتمثل في التشكيك في صحة ادّعاءات آنا، فإن التناقض في اللهجة والأحداث يبطلان الجانب النفسي للقصة. بدا التصوير والنص كأنهما يركزان فقط على نزع مصداقية آنا والتقليل من صحتها العقلية وتحويلها إلى وسيلة للسخرية وليس التركيز على الحالة النفسية المعقّدة التي تعاني منها.
حتى إنّه لا يثق بقدرة ممثليه. بغضّ النظر عن مقدار الجهود التي قدمتها إيمي أدامز لإقناعنا بالحالة النفسية للشخصية، أصرّ رايت على إظهار تأثيرات خاصة لا داعيَ لها مثل رش الدم على الشاشة، تساقط الثلوج في الداخل... للتعبير عن الحالة العقلية للشخصية.
لدى جو رايت القدرة على تقديم فيلم جيد جداً ولكنه أضاع فرصته. راكم الأحداث والشخصيات والانعطافات، وأظهر ما يحدث (أو لا يحدث) مع آنا بطريقة شبه ساخرة، ما ولّد نوعاً من الغرابة والغربة في الفيلم. ولكنّ الحقيقة الواضحة جداً أنّ آنا لم تتوقف عن المعاناة طوال مدة الفيلم... ونحن أيضاً!

The Woman in The Window على نتفليكس