في الألفية الجديدة، ليست القضايا السياسية والاقتصادية واضحة كما كانت زمن الستينيات والسبعينيات والثمانينيات. انتصرت الرأسمالية، لكن القتال اليوم أعنف من ذي قبل. والسبب هو سطوة اليمين المتطرف في مختلف أنحاء العالم. في عصرنا الحديث، عدنا للحديث عن محاربة الفاشية، والأحزاب الأكثر تطرّفاً تشهد صعوداً من جديد. لا إجابات على هذه الظاهرة، لكن الأسئلة يجب طرحها. هذا ما حاولت المخرجة الألمانية جوليا ڤون هينز القيام به في فيلمها الجديد «وغداً العالم بأسره» (2020 - عُرض في «مهرجان البندقية»). [اشترك في قناة ‫«الأخبار» على يوتيوب]
قدمت هينز المشكلة في رقعة محصورة، من الداخل، وبالتحديد ألمانيا. عرضت الأحزاب والمنظمات المناهضة للفاشية، المكرسة بشكل أساسي للتنديد ومقاطعة السياسيين المتطرفين وجماعات النازية الجديدة في مانهايم. ينغمس الفيلم في قضية تطارد العالم بأسره، بخاصة أوروبا والولايات المتحدة وأميركا اللاتينية.

«جمهورية ألمانيا الاتحادية دولة اجتماعية وديمقراطية، ولجميع الألمان الحق في مقاومة أولئك الذين يريدون إلغاء هذا النظام» بهذه الكلمات تبدأ ڤون هينز فيلمها، والكلمات نفسها تدرسها لويزا (مالا إيمدي) في كلية الحقوق. بفضل صديقتها باتّي (لويزا سيلين غافرون)، بدأت لويزا البالغة عشرين عاماً، والمتحدرة من عائلة ثرية جداً الاقتراب والمشاركة في حركة «أنتيفا» (حركة يسارية معارضة للفاشية والنازية ومناهضة للرأسمالية والنيوليبرالية واليمين المتطرف). وعلى عكس الأجيال السابقة الأكثر انخراطاً في العنف المباشر، تشكّل الحركة الجديدة نوعاً من الكومونات. يعمل هؤلاء المقاتلون بطريقة أكثر حرصاً: يقطعون مظاهرات الأحزاب اليمينة عن طريق إلقاء بالونات الطلاء والصراخ وفي بعض الحالات توجيه الضربات، ولا يذهبون أبعد من ذلك. لكن، هل هذه المقاومة كافية إذا كان الدستور ينصّ بأن علينا محاربة من يريد إلغاء النظام؟
أسئلة مشروعة يطرحها الفيلم: هل خطاب الكراهية يحارَب بسلمية؟ ماذا تفعل لويزا وأصدقاؤها عندما يتعرضون للضرب؟ ماذا يفعلون بالمتفجرات التي وجدوها بحوزة النازيين الجدد؟ هل تبلِّغ الشرطة عندما تكون الأخيرة مهتمة أكثر بقمع «أنتيفا»؟ وهل العنف هو الحل الوحيد؟ أسئلة لا تخصّ ألمانيا وحدها. ففي الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، أظهر اليمينيون المتطرفون أنهم قادرون على السيطرة على مبنى الكابيتول! في أميركا اللاتينية، تتم إبادة السكان الأصليين في نيوكوين أو الأمازون!
على الرغم من أسئلة الفيلم الكبيرة وعنوانه «التحذيري»، تبدو جوليا ڤون هينز كلاسيكية في التعاطي معها إلى حد ما. عرضت بعض الإجابات القديمة، وربطت شغف لويزا في النضال باهتمامها الرومانسي بصديقها ألفا (نواه ساڤيردا). قدمت فيلماً «موضوعياً»، لكنها حولت المشكلة الأساس إلى مشكلة سياسية بورجوازية، لا موضوعاً اجتماعياً وسياسياً بعيداً عما تريد الطبقة البرجوازية فعله. الفيلم جدي نسبياً والنهاية ستقسم المشاهدين. عرفت المخرجة ما تريد ولكنها لم تظهره، هناك شيء ناقص. الحبكة السياسية والاجتماعية التي يتمحور حولها العالم في تياراته اليمينية واليسارية مفقودة تماماً في الفيلم.
جوليا ڤون هينز انخرطت مع «أنتيفا» بنفسها قبل عشرين عاماً، والفيلم مستوحى من حوادث شخصية. بالتأكيد، صنعت شريطاً سياسياً يقول بأعلى صوت إن العنف ينبع من اليمين وكل ايديولوجيا فاشية ونازية جديدة معادية للحضارة وغير إنسانية. ولكن هذا من البديهيات. «وغداً العالم بأسره» فيلم شجاع ولكن لا يزال في سنّ المراهقة.

And Tomorrow the Entire World على Netflix