في مستهلّ رواية «فرانكشتاين في بغداد» (2013، دار الجمل) لأحمد سعداوي (1973)، يتقبّل القارئ على مضض فكرة أن يقوم بائع العاديات هادي العتاك بجمع أجزاء من جثث التفجيرات الإرهابية في بغداد، وأن يصنع منها كائناً بشرياً ستحلُّ فيه روح حارس فندق قتل في تفجير إرهابي، وأن تعتقد جارته العجوز إيليشوا أن الكائن الذي سيُعرف لاحقاً باسم «الشِّسْمه» (اللي شو اسمو: الذي لا أعرف اسمه)، هو ابنها دانيال العائد من الحرب بعد 20 عاماً من انتظارها له. خطة روائية تبدو مستحيلة التصديق، وربما يرى بعض القراء في ذلك سبباً لعدم إكمال الرواية. لكن من قال إنّ الرواية اليوم تقوم على ما يحدث أو ما يمكن حدوثه؟
ووالمؤلف العراقي لن يتأخر في جعل القارئ يتجاوز هذه الإمكانية بسرد ذكي ومقنع للبيئة التي تجري فيها أحداث الرواية التي تكشف المشهد العراقي أثناء الاحتلال الأميركي الذي ترافق مع نشوء سلطة عراقية قائمة على محاصصة مذهبية وقومية، بينما ظلت السلطتان تتعايشان مع تفجيرات تحصد عشرات الضحايا يومياً. المخلوق الفرانكشتايني سيصبح محكوماً بالانتقام من المجرمين الذين قتلوا أجزاءه التي صُنع منها.
«إنه خلاصة ضحايا يطلبون الثأر لموتهم حتى يرتاحوا»، لكنه سيكون محكوماً بالتحلل وبتساقط أجزاء منه، وهذا يعني أن عليه أن يبدل تلك الأجزاء بأخرى جديدة، ما يجعل قائمة المطلوبين للثأر تتجدد باستمرار. هذا هو الخط الأساسي في الرواية، لكن الرواية نفسها تتقدم وفق منطق سردي أكثر تعقيداً وتنوعاً. المؤلف نفسه سيظهر كشخصية في الرواية، بينما يتعرف القارئ على محمود السوادي الذي يعمل في مجلة «الحقيقة» مع صاحبها علي باهر السعيدي الذي سيختفي لاحقاً بعد اتهامه بسرقة جزء من المساعدات الأميركية. بين السوادي والمؤلف وهادي العتاك الذي يسميه «الشِّسمه» صانعه ووالده، يدور السيناريو الأساسي، مع لمسات غرائبية تُضاف إلى غرابة بطلها. سنعرف أن «الشّسمه» مطارد من «دائرة المتابعة والتعقيب» التي يترأسها العميد سرور محمد مجيد، بالتعاون مع مجموعة من المنجمّين. يسجّل المخلوق الفرانكشتايني قصته على مسجلة ديجيتال كان العتاك قد أخذها من السوادي. يحصل السوادي على نص التسجيل، ويكتب ذلك كموضوع رئيس في المجلة، ويُستدعى للتحقيق. تتوالى التفجيرات الإرهابية في بغداد، وتتغير مصائر الشخصيات، ويواصل الشسمه انتقاماته، ويعترف في التسجيل أنه يريد أن يتوقف لكنه لا يستطيع التوقف عن تنفيذ رغبة أجزائه البشرية. في النهاية، سنعرف أن الشسمه قد لا يكون كائناً حقيقياً، وأن القارئ ما كان عليه بذل أي جهد لتصديق حكاية خياطته من أجزاء بشرية، وأنه قد يكون مجرد استعارة سردية لما يجري في بلدٍ يبدو كأنه ينتقم من نفسه. كأن فرانكشتاين هو هذا القتل اليومي الذي لا يتوقف. وحين يكتشف القارئ ذلك، ستعود إليه الرواية كلها كما لو كانت مجرد متعة ودهشة برع أحمد سعداوي في إمداده بها طوال صفحات الرواية.



أحمد سعداوي: «فرانكشتاين في بغداد» ـ دار الجمل