يُتقن السوريون تحويل حياتهم إلى شأن افتراضي. يُدرك كلّ من عايش الأزمة السورية على أرض الواقع، أنها فرّخت عشرات الأزمات في العالم الافتراضي. رواياتٌ متضاربة تحضر دائماً هناك، سقطت مدنٌ، وتحرّرت في الوقت نفسه، عشرات المرات. «خلصت» الأزمة مئات المرات، وتجوّلت غوّاصات قبالة السواحل السورية. اختبأت دبابات في مداخل الأبنية، «انشقّ» فاروق الشرع، «سقط النظام» منذ زمنٍ طويل. تكلّم الشعب في اليوم الواحد آلاف المرات، كل واحدة منها عبر لسان افتراضي نصّب نفسه لسانَ حال للجميع.
مع كلّ حدث صغيراً كان أم كبيراً، يتكرّر المشهد، فماذا إذا كان الحدثُ «عُرساً ديمقراطيّاً»؟. ها نحنُ أمام تناسلِ صفحات وصفحات، يُقارب بعضها الحدثَ من زاوية ساخرة. ويغرق بعضها في الجديّة. يحدثُ ذلك، فيما جميع المتقدّمين بطلبات ترشيحهم لم يتحوّلوا إلى مرشحين فعليين بعد. ينصّ الدستور السوري على أنّه «يتمّ فحص طلبات الترشيح من قبل المحكمة الدستورية العليا، ويُبت فيها خلال خمسة أيام تلي المدة المحدّدة لتسجيلها». ما يعني أنّ تاريخ البتّ في الانتخابات الحاليّة هو 6 أيار (مايو) . لكنّ ذلك غير ضروري في العالم الافتراضي. منذ اليوم الأول لتقديم أول طلب ترشيح باسم ماهر عبد الحفيظ حجّار، بدأ «محترفو التواصل الاجتماعي» عملَهم. فازت صفحة «ادعموا مرشّحكم المستقلّ ماهر حجّار» بقصد السبق عبر الفايسبوك، واضعةً المرشّح المفترض والحدثَ برمّته في مقلاة السخرية اللاذعة. لنقرأ مثلاً «انتخبوا ماهر حجّار رئيساً لسوريا الأسد»، و«بالفحم بالنار، نفديكَ يا حجّار» في مواجهة الهتاف المعهود «بالروح بالدم»، و«الحجّارْ أو نحرق الأشجار» في استحضارٍ للشعار الذي أطلقه موالون متعصبون منذ بدء الأزمة «الأسد، أو نُحرق البلد».

لتبدأ «الشعارات» الساخرة بالتتالي عبر صفحات السوريين مع كل إعلانٍ عن مرشح جديد. ترشحت سوسن حدّاد فقرأنا «حدّاد أو نُحرق البلاد». ترشح سمير معلّا فقيل «معلّا، أو نُحرق البلد كِلّا»، ثمّ «عبد السلام سلامة أو تقوم القيامَة» وهكذا. على المقلب الآخر، أُنشئت صفحاتٌ تكتسي لَبوس الجديّة، تُشبه تلك التي قامت بإسقاط النظام سابقاً منها صفحة «15 مليون سوري لا للأسد». وإذا كانت النماذج الساخرة المذكورة تعكس رؤية جزء من الشارع السوري لعبثيّة إجراء الانتخابات، فإن النموذج الجديّ يُقدّم مثالاً جديداً للانفصال عن الواقع، ويُدشن ميداناً آخر من ميادين «النضال الفايسبوكي» العظيم. والمفارقة أنّ عدد المنضمين إلى هذه الصفحة فاق حتى الآن عدد المنضمين إلى سابقاتها الساخرة، فيما كانت الصفحات التي تُعنى بتداول أخبار الترشيحات بطريقة خبريّة (ومثالُها صفحة: الانتخابات الرئاسية السورية) هي الأقل حظّاً في استقطاب المتابعين. لكن ما الذي ستغيّره كل هذه الصفحات على أرض الواقع؟ سيأتينا الجواب من الحَدث Event الذي دعا إليه البعض بعنوان «نريدُ تأجيل الانتخابات الرئاسية السورية 2014 حتى إشعار آخر» وأُنشئ مطلع العام الحالي. طبعاً، لم يُغيّر شيئاً من المسار الواقعي. ثمّة مثَل شعبيّ سوري يقول «الطبل بدوما، والعرس بحرستا». ولعلّه الأنسب للتعبير عن الواقع الانتخابي، حيث «الطبل» على مواقع التواصل، فماذا عن «العُرس»؟