ترْجمة: رشيدْ وحْتيأتتْني الصّورة الْأوْلى واللّهْجة منْ أرْبع نسْوة فلسْطينيّات في حيّ عمّانْ الْمسمّى جبلْ لْحْسينْ. أرْبع نسْوة مسنّات، متجعّدات، كنّ مقعيّات حوْل نار خمدتْ: أثْفيتان مسْودّتان أوْ ثلاث وإبْريق شاي محْدوْدب منْ ألومنْيوم. طلبْن منّي الْجلوس.
— زيْ ما إنتْ شايفْ إحْنا فْدارْنا. بدّكْ شايْ؟ كنّ يبْتسمْن.
— ببيْتكنّ؟
— آهْ ولّا (ضحكْن.) ما ظلّشْ إشي غيرْ لحْجارْ تنكْدحْ النّارْ، حركوا دوْرْنا
— منْ أحْرقها؟
— حْسينْ. إنتْ جايْ منْ فرنْسا. بكولوا بلدْتْشمْ واكْفةْ فصفْ الْعربْ، بسْ هلْكيْتْ إنْتو بْتعرْفو إلْفركْ ما بيْنْ حْسينْ والْعربْ؟
هنا، انْدلع جدل مرح بيْن النّسْوة الْأرْبع حوْل الْمصير الّذي ينْبغي أنْ يخصّ به حْسينْ. كنّ مرحات، رغْم الْحزْن، ولكنْ دوْما مسْتعدّات للْمعْركة.
— أيْن الرّجال؟
— ولادتْنا فدائيّةْ في اجّبالْ.
— والْآخرون؟
— لْغادْ..
سبّابة حادّة منْ يد متيبّسة جدّاً وجميلة جدّاً أوْمأتْ إلى حويْط قريب.
— بحشْنا وْدفنْناهمْ غادْ
كان يتعلّق الْأمْر بشيوخ، أطْفال ونساء. ثمّ بادرتْني منْ جديد إحْدى أوْلاء النّسْوة برقّة وحزْم عنْدما تحدّثْت عنْ «مخيّمات اللّاجئين».
— إذا كصْدكْ الْمعسْكرات؛ فاجّميعْ فيها هلْكيْتْ، مْسلّحْ ومْدرّبْ.
كانتْ قابليّة التّمرّد لدى النّساء لربّما أكْثر منْ مثيلتها لدى الرّجال. كان يبْدو عليْهنّ امْتلاكهنّ لمخْزونات مدْهشة من الْأفْعال والْكتْمان في الْأفْعال. قلْت، يوْما، لفلسْطينيّة، أنّ النّساء يتوقّعْن ربّما بكثير من الْهدوء إمْكانيّات الثّوْرة.
— إلْفدائيّة، قالتْ لي ضاحكة، معْلوْمْ بْنعْرفْهمْ. ماحْنا خلّفْناهمْ. حافْظيْنْهمْ عنْ غيبْ، بْنعْرفْ فْشو كويّينْ، وفْشو ظْعافْ. تْشلْهمْ فدائيّةْ مْسلّحْينْ هسّةْ، وتدرّبوا تْشيفْ يْكاتْلو.
— عموما، أنْت تحبّينهمْ.
كانتْ في زهاء الْخمْسين. كانتْ تبْتسم.
— بعْرفْهمْ لأنّي بْحبْهمْ. تشْربْ شايْ ولّا كهْوةْ؟
كان ابْنها، بنْتها وصهْرها؛ الْأوّل فدائيّاً في فتْحْ، والْآخران في الصّاعقة.
كنّ ينْزعْن، فيما يبْدو لي، سريعا نحْو الْحلّ الْواضح.
كان حاءْ، اثْنان وعشرون سنة، قدْ قدّمني إلى أمّه في إرْبدْ. كان ذلك في شهْر رمضانْ وحواليْ الزّوال.
— ترا هوّ فرنْسي. مشْ بسْ فرنْسي، وْفوكْها مسيحي تْشافرْ.
كانتْ تنْظر إليّ بابْتسام. وكانتْ عيْناها تزْدادان مكْراً.
— هيْذْ يعْني، مدامهْ تْشافرْ، منْ تْشلْ بدْ نْجهْزْلهْ لكْمةْ أتْشلْ.
لابْنها ولي، أعدّتْ غداء.
وهي لمْ تأْكلْ إلّا مساء.
(أعادتْ صديقة قصّاصّة فلسْطينيّة، مقيمة بعمان، صياغة جزْء من الْحوارات بالْمحْكيّة الْفلسْطينيّة.)