ببطئه يغمرنا، وبخفّة يحملنا. ينقلنا إلى الماضي ونحن جالسون في الحاضر، يغمرنا بموسيقاه، ويترك لشخصياته المساحة. يخلق عالماً مليئاً بالموسيقى والأصوات، لكن صمته يتردّد بقوة ويصل إلينا. وبرصانة وعطف يخبرنا «الحدوتة». في فيلم «التلميذ» (2020 – عرض في مهرجان البندقية الأخير) المتوافر على نتفليكس، نتبع شاراد نيرولكار (أديتيا موداك – موسيقي حقيقي) المغني الهندي المهووس بالموسيقى والأسلوب الهندي الشمالي الكلاسيكي (الهندوستاني). يحاول بأقصى جهده تتبّع مسار معلمه غورودجي (أرون دراڤيد) المطرب الملتزم الصارم. الجزء الأول من الفيلم تدور أحداثه عام 2006، عندما كانت موسيقى شاراد ذات مكانة بارزة، ولم تكن تدرّ ربحاً كبيراً، إلا أنه يعرف كيف يستمتع بما يقدّمه. هو يعلم أنّ هذا النجاح لن يجلب الشهرة والمال. وإذا أراد الالتزام به، ينبغي له أن يعتاد على الجوع والوحدة. مع استمرار شاراد في السعي وراء مُثله العليا، يتغيّر العالم من حوله. يأخذ الفيلم قفزةً في الزمن. كثر توقفوا عن الاستماع إلى موسيقاه، ولكنه ظلّ يحاول. فيلم «التلميذ» للمخرج الهندي شيتانيا تامهاني، ليس قصة حلم يصل فيها البطل إلى الهدف، بل فيلم واقعي عن رجل تركته الحداثة وراءها... شاب محطّم يعيش في عزلة، يرفض الموسيقى الحديثة ويريد بكلّ قوة وعزم الوصول إلى النخبة الموسيقية.
يترك المخرج لشخصياته المساحة، ويخلق عالماً مليئاً بالموسيقى والأصوات

يطوّر تامهاني القصة ببطء شديد، يريدنا أن نتنفّس كل التفاصيل وفهم عالم شاراد، ونشعر بتصميمه وعجزه لعدم قدرته على الغناء كما تملي عليه أحلامه. هو مؤمن بشكل أعمى بكلمات معلمه وبذكرى والده. من السهل أن نرى تصميم شاراد على أنه تعجرف، غطرسة حقيرة لمن يعتقدون أنهم يعرفون أكثر من الباقين. اختياراته غريبة، مواقفه مزعجة، ولكن يمكننا أن نرى التراجيديا في كل هذا. هو يحبّ الموسيقى، لكن لا يبدو أن الموسيقى تحبّه. فيلم على شكل أزمة وجودية استمرت لعقود وتُرجمت سينمائياً. شريط يصرخ بأننا لا يجب علينا تبجيل الماضي بدون سبب أو شكّ، وللحنين حدوده. أما الأشخاص أمثال شاراد الذين لا ينحنون قليلاً، فمحكوم عليهم بالكسر في وجه رياح التغيير.
نُشيد بصبر المخرج، والوتيرة المتحكّم بها وبدراسة تلك الشخصية وجودة القصة المقدَّمة، التي تدوم أكثر من ساعتين بقليل، والجزء الأكبر منها مخصّص لعروض موسيقية غريبة عنّا. «التلميذ» فيلم بقيمة ثقافية هائلة، نعرف فيها دوافع الشخصيات من خلال الذكريات والتأملات. رحلة فنية تشوبها الكثير من التعقيدات الثقافية لشخص يفترض نفسه حارساً للماضي في مواجهة اكتساح الحداثة.

The Disciple
على نتفليكس



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا