الفيلم الأول للمخرجة الصينية الأميركية المولودة في بكين كلوي جاو «أغنيات علّمني إياها أشقائي» (2015)، هو الأكثر شاعريةً وبساطةً في تاريخها السينمائي القصير (فيلمها الثاني «الراكب»/ 2018 ثم «أرض الرحل»/ 2020 المرشّح لجوائز أوسكار عدة). في «أغنيات علّمني إياها أشقائي»، تقدّم قصة أُخوَّة، جاشون (جاشون سانت جونز) وجون (جون ريدي) من قبائل «لاكوتا سو» (قبائل السكان الأصليين لأميركا المعروفين بهنود السهول). شابة ومراهق يتنقلان في حياتهما اليومية داخل محمية باين ريدج الهندية في ولاية جنوب داكوتا في الولايات المتحدة الأميركية. الفيلم عن عائلة كبيرة ممزّقة، 25 شقيقاً وشقيقة لأب واحد (زعيم هندي) وعدة نساء. يعكس تناقض العيش والنشأة في مجتمع صغير جداً بحيث يمكن أن يكون المكان نفسه منزلاً وسجناً. في المحمية الجبال عارية، والبحيرات عبارة عن برك ضخمة من الطين، والسهول القاحلة والأراضي الوعرة الواسعة لا تعطي شعوراً بالحرية، بل العكس. من السهل جداً ملاحظة العناصر المرئية والسردية والمواضيع المشتركة في أفلام جاو. المناظر الطبيعية وتقاليد الأصول الأميركية العميقة لها حضور ممتع دائماً. العمل مع ممثلين غير محترفين يعيشون في الأماكن التي يتم التصوير فيها، يمنح أفلامها لمسةً وثائقيةً عن عادات وأساليب حياتهم. شخصياتها تهرب من الصور النمطية والشرائع، كما تهرب جاو من السينما السائدة. الفيلم ميلانكولي، يروي قصصاً جميلة وحزينة تأخذ حيزاً كبيراً في أحلام أولئك الذين يسكنون تلك الأرض. تهتم جاو بتقديم هذه القصص بلغة عاطفية، وتدعونا لإقامة اتصال مباشر معها ومع شخصياتها وأبطالها وأحاسيسهم وعالمهم المادي. ننغمس في البيئة والأشخاص بفيلم ليس ذا حبكة بالطريقة الأكاديمية السينمائية، بل مرن في سرد ذي نبرة طبيعية.
شخصياتها تهرب من الصور النمطية والشرائع، كما تهرب كلوي جاو من السينما السائدة


قليلة هي الأفلام التي يكون فيها البطل والشخصية الرئيسية هو المكان الذي تعيش فيه هذه الشخصيات. في «أغنيات علمني إياها أشقائي» المحمية هي الشخصية الرئيسية، لأننا ببساطة لا يمكن تخيل أشخاص كهؤلاء الذين يعيشون هناك، يعيشون في أي مكان آخر. الطبيعة القاسية تلعب دوراً أساسياً في حياتهم وقراراتهم. هكذا تبني جاو الدراما، منذ اللقطة الأولى إلى الأخيرة. تلعب الأرض والسماء والجبال والغيوم أدوارها. ترينا جاو المكان، تطعمنا مذاقه، بخاصة عند الفجر والغسق. تطلعنا على العادات والتقاليد والثقافة، في فيلم أول رصين غير منظم، ولكنّه ذو جذور. هذه الجذور هي أساس أميركا وسكانها الأصليين المنسيّين والمهمّشين. محطمة هذه الطبقة العاملة وهذه الشعوب الأصلية تماماً كأحلامها. ولكن على الرغم من مشاكلهم، يكافحون من أجل الحفاظ على شعور المجتمع والانتماء والأُخوّة، سواء أكانت بيولوجية أم لا. فهم يعرفون أنّه في النهاية، ليس لديهم إلا بعضهم البعض، لأنّ أسطورة الغرب الأميركي، تلوّنت بريشة هوليوود، ولكن ما هو مأخوذ بالقوة من «الحمر» لا يمكن «للبيض» الحصول عليه.

Songs My Brothers Taught Me على MUBI



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا