في «النشّال»، يخترق المخرج الفرنسي روبير بروسون نفس وروح ومشاعر ميشال (مارتين لاسال). نستعيد مع هذا الفيلم الشخصيات الدوستويفسكية المجرمة. نبصر قلب هذا المتمرّد عندما يقدم على جريمته. هذا الذي يبحث عن أي مكان له في هذا العالم كنشّال يعشق عمله، لنتعلم معه ما بدأنا نعتبره من خلال هذا الفيلم «مهنة». عندما يمدّ ميشال يده للنشّل، نشعر كأنها يدنا التي تمتد إلى جيب هذا الرجل أو حقيبة تلك المرأة. تتسارع دقات قلبنا ونخاف افتضاح أمرنا. لا مجال للأفكار المسبقة في هذا الفيلم، ميشال ليس نشالاً عادياً. هو شاب يغريه امتداد يده إلى جيوب غيره، تماماً كما يغري الجنس الشبان من عمره. النشوة البادية من نظراته عند النشل، والمخاطرة التي تتصاعد يومياً تفسّران الإشباع الذي يلي الفعل. هو أمر لا يمكن لميشال تجنّبه. هو إدمان يبدأ بمغريات ودواع مختلفة ليصبح عادة، فتعلّقاً مَرضياً. ميشال سارق محترف. يعلم تماماً أنه يخطئ لكنه لا يستطيع التوقف أو ربما لا يريد. له دوافعه طبعاً. يسرق لأنه خائف، لأنه غير راض عن نفسه أو عن حياته، يشعر بقصوره عن المشاركة الإيجابية في المجتمع، لأن والدته تحتاج إليه، لأن حبه لمعشوقته حقيقي تماماً لكنه غير نمطي. هو متمرد إذاً. حتى عندما أراد أن يصبح فرداً منتجاً في هذا المجتمع الذي لطالما شعر بأنه نكرة فيه، انتقى شغفاً خالف المنطق والأخلاق. ليس ميشال غبياً أو جاهلاً، لكنّ الأقدار شاءت أنه وجد نفسه وبراعته وإبداعه في نشاط خارج على القانون. فورة الادرنالين هذه وإدمان المخاطرة باتا أسلوب الحياة الذي يمنحه سلاماً روحياً وتحرراً. في فيلمه، يقدم لنا بروسون شخصية تستسلم لمشاعرها بكل سهولة، كما التقلبات المستمرة للشخصية وما يتبعها من تطورات في نشاط ميشال الإجرامي. لا يهم المخرج أين ستأخذ الحياة بطل الفيلم، لا نعلم أين سيصبح أو ماذا سيحقق، لا نعلم حتى ماذا يفعل بمسروقاته: فعل النشل بحدّ ذاته هو المحور.

Pickpocket على MUBI



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا