تونس | بعد انتظار عام كامل؛ حقّق المسلسل التونسي «حرقة» أعلى نسب مشاهدة بين الأعمال التونسية الجديدة الدرامية والكوميدية. واستعادت الفضائية الوطنية الأولى (مملوكة للدولة) أعلى نسبة مشاهدة منذ اليوم الأول من رمضان. هذا المسلسل كتبه السيناريست عماد الدين الحكيم وأخرجه الأسعد الوسلاتي في ثاني تجربة مهمة له بعد نجاح مسلسل «المايسترو» الذي عُرض في عام 2019. وكان يفترض بثّ هذا المسلسل في العام الماضي، لكن بسبب كوفيد ــ 19 تمّ إغلاق الحدود الإيطالية بعد تصوير 60 في المئة من المسلسل الذي استُكمل تصويره في إيطاليا في الخريف الماضي بعد الانفراج النسبي في أزمة كوفيد ــ 19.
«حرقة» رحلة في معاناة عائلات المهاجرين حين تفقد أبناءها، ويتحوّل الحلم إلى كابوس

في عشرين حلقة، يجمع المخرج مجموعة من الوجوه أغلبها من الوجوه المسرحية التونسية أساساً مثل رياض حمدي (في دور مجيد) الذي عرفناه مع الفاضل الجعايبي في أجمل أعماله مثل «خمسون» و«يحيى يعيش» و«جنون» وغيرها، ووجيهة الجندوبي، ومهذب الرميلي، وأسامة كشكار، ونبيل الشاهد، ومحمد حسين قريع، والمسرحي من جيل الستينيات عبداللطيف خيرالدين والنجمة التونسية المقيمة في القاهرة عائشة بن أحمد، وفرحات دبش وجمال شندول، ومفتاح بوكريع وكلّ هؤلاء قادمون من المسرح أساساً.
يسلّط المسلسل الضوء على مأساة الهجرة غير النظامية أو ما تُعرف في تونس بـ «الحرقة» التي تصاعدت وتيرتها منذ سقوط نظام ابن علي. في كل عام، يهاجر عبر ما يُعرف بقوارب الموت آلاف التونسيين. وكانت الظاهرة في البداية مقتصرة على الشبان فقط، لكنها تحوّلت في السنوات الأخيرة إلى حلم بالهجرة الجماعية، بل اتخذت بعداً دولياً. إذ تحولت الشواطئ التونسية وخاصة في جرجيس من محافظة مدنين على الحدود الليبية وجزيرة قرقنة من محافظة صفاقس، إلى محطة انطلاق للشبان الأفارقة عبر شبكة دولية تنشط بين ليبيا وتونس وإيطاليا.
يبدأ المسلسل بفقد مجيد (رياض حمدي) لابنه، فينطلق في رحلة بحث يائسة عنه لنكتشف من خلاله عالم المهرّبين. فالصاروخ (مهذب الرميلي) وجلول (محمد حسين قريع) وعباد (أسامة كشكار) ينظمون رحلات الهجرة السرية في قوارب تفتقد إلى شروط السلامة، وبتواطؤ من بعض أعوان الأمن الذين يمنحونهم الغطاء لنشاطهم مقابل الحصول على نصيب من عائدات الهجرة التي يدفعها الحالمون بجنة أوروبا.
منذ أول يوم من رمضان، يحقّق المسلسل أعلى نسبة مشاهدة


وأمام ارتفاع عدد «الحارقين» من الميناء نفسه، تضطر وزارة الداخلية إلى تعيين رئيس مركز أمن جديد من الإدارة المركزية، يحاول اكتشاف هوية منظّمي هذه الرحلات البحرية في اتجاه إيطاليا ومن يساعدهم من عناصر الأمن لكنه يجد نفسه في متاهة.
إلى جانب الشبان الحالمين بالوصول إلى الضفة الأخرى هرباً من الفقر، يركّز المسلسل على فئة أخرى من التونسيين الذين يشعرون بأن بلادهم تركتهم للمهانة مثل شخصية الأعمى (عبداللطيف خيرالدين) الذي قرّر الهجرة وهو لا يرى وليس له أحد في إيطاليا، وهالة (عائشة بن أحمد) التي لا تريد أن تضع جنينها على الأراضي التونسية خوفاً من «الفضيحة» ونظرة المجتمع الذكوري بعد تنكّر عشيقها لها، ونعمة (وجيهة الجندوبي) التي تلحّ على ابنها الشاب الصغير على الهجرة لكنّها تندم في ما بعد حين ترى جثث الشبان الذين لفظهم البحر في تقرير إخباري على شاشة الفضائية الوطنية.
المسلسل رحلة في معاناة عائلات المهاجرين حين تفقد أبناءها، ويتحول الحلم إلى كابوس ورصد لشخصيات الحالمين بالهجرة في مواجهتهم للموت وفضح لعنف منظّمي رحلات الموت حين يلقون ببعض المهاجرين في البحر لضمان نجاة البقية وتخفيف الحمل عن المراكب القديمة أو ما يُسمى بـ«الشقف».
مسلسل موجع شاهد على معاناة آلاف العائلات التونسية التي تنتظر منذ سنوات مكالمة هاتفية من ابن هاجر ولم يعد، وقد يكون مات طعماً للأسماك في المتوسط.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا