أربع ساعاتٍ ونصف ساعة تقريباً من الإبداع السينمائي، هذه هي باختصار نسخة المخرج زاك سنايدر من فيلم عام 2017 «رابطة العدل» Justice League. أصل الحكاية أنّه قبل إطلاقه فيلم «رابطة العدل»، واجه المخرج الأميركي مأساة عائلية كبيرة: انتحرت ابنته Autumn ما جعله يترك الفيلم بأكمله، ويغوص في أحزانه. تضاف إلى ذلك خلافات في الأفكار الإبداعية مع «شركة الإخوة وارنر» حول الفيلم. «رابطة العدل»، هو الفيلم الخامس من سلسلة بدأت مع «باتمان ضد سوبرمان: فجر العدالة»، و«رجل من فولاذ»، و«الفرقة الانتحارية» و«المرأة الخارقة». يومها، قررت الشركة المنتجة، أن يتسلّم المخرج المعروف جوس ويدون الذي أحبه الجمهور عبر أفلامٍ ناجحة مثل رائعة شركة بيكسار «قصة لعبة» (شارك في كتابتها) فيما أخرج ثنائية مارفل الناجحة «أفنجر» (2012 ــ 2015). كان الاختيار منطقياً للغاية، لكنّ حساب الحقل لم يوافق حساب البيدر نهائياً. خرجت النسخة التي أرادها سنايدر المعروف بأفلام ذات بعد «كئيب» و«غامض» مثل watchmen وSuicide Squad كوميدية وفاقدة للنكهة الحقيقية. إذ أنّ ويدون الذي واجه مشاكل شخصية كثيرة في التصوير مع أبطال العمل مثل جاسون موموا وراي فيشر وسواهما، اختصر العمل إلى 120 دقيقة. خرج الفيلم إلى الصالات، واعتُبر بالمقارنة مع المتوقع منه «كفشلٍ ذريع» لأفلام الأبطال لشركة «دي سي» بالمقارنة مع نظيرتها «مارفل» إذ حقّق الفيلم الذي كلّف 300 مليون دولار ما مقداره 657 مليوناً من الأباح، وهي ليست الأرباح التي انتظرتها الشركة (المقارنة هنا مثلاً مع فيلم «أفنجرز» الذي كلّف 220 مليوناً وحقق ملياراً ونصف مليار من الأرباح). وطبعاً هذا النجاح هو اعتمادٌ كبير على جمهور قصص «رابطة العدل» القادم من الكوميكس، لا أكثر ولا أقل. بعد هذه التجربة، قررت شركة «وارنر» وضع مشاريع الأفلام المقتبسة عن الكوميكس التي كانت مقترحة سابقاً على الرف، في انتظار إيجاد حلٍ ما. هذا الفشل، إضافة إلى رغبات جمهور «رابطة العدل» (الآتي هو أيضاً من الكوميكس) وبضعة عاملين في الفيلم الأصلي مع سنايدر، كل ذلك دفع إلى إطلاق «نسخة زاك سنايدر من الفيلم». حملةٌ كبيرة عبر الإنترنت (releasethesnydercut)، ورغبةٌ من شركة «وارنر» في «التكفير» عن ذنبها بإطلاق فيلمٍ بدا «سخيفاً وغير واضح المعالم أو الشخصيات» بالنسبة إلى الجمهور، جعلتاها توافق على الموضوع، ووضعت كلفة بلغت 70 مليون دولار إضافية لإطلاق النسخة الطويلة المدّة (قرابة أربع ساعات أو 242 دقيقة بدقّة).
إذاً، ما هي الفوارق بين النسختين؟ الإجابة متوقّعة: إنّها الفوارق التي تجعل هذه النسخة تحظى بتقدير كبير من النقاد، مثل روبي كولين في صحيفة «تليغراف» الذي أعطاها خمسة من خمسة، و74 في المئة «طازج» من نقاد موقع «روتين توميتو» لتصنيف الأفلام. تصنيف «مرتفع» لفيلم مقتبس عن كوميكس. كذلك، فإنّ جينا أندرسون من موقع «كوميكبوك» أعطته أربعة ونصفاً من خمسة (وإن عاب معظم هؤلاء على الفيلم طوله). الفارق الأوّل أن النسخة الأولى -أي نسخة ويدون- التي صُنّفت PG، بمعنى أنّها عائلية، تختلف جذرياً عن نسخة سنايدر «للراشدين فقط» المليئة بالدماء والعنف. فعلياً، من يشاهد الفيلم، يعرف تماماً بأنَّ هذا العنف، ضروريٌّ للجو الذي يريد سنايدر أن يخلقه. إنها مدرسة فرانك ميللر وآلان مور في صنع «دراما» الأبطال الخارقين: إنّهم بشرٌ عاديون، يخطئون ويصيبون، لذلك فإنهم مليئون بالعيوب على الرغم من تلك القوى الخارقة التي يمتلكونها. سوبرمان، بطلُ الخير الدائم، والرمز الأميركي الشهير المرتدي للأحمر والأزرق (لونَي العلم الأميركي) الذي قُتل في الجزء الأخير، أصبح يرتدي بزة سوداء، إضافةً إلى كونه «قاسياً وبلا رحمة»، إذ يضرب بوحشية وبلا رحمة. الأمر نفسه ينسحب على المرأة الخارقة، الأمازونية، التي خُلقت كي تكون محاربة وبسيفٍ قاطع: إنها تقطع رؤوس أعدائها بدون أن يرفّ لها جفن. إننا أمام «رجل وطواط» مكسور من الداخل والخارج، في عقده الخامس، مهزوم بالفعل، لكنه «يعافر»؛ ذلك يظهر بوضوح من خلال لغته «اللطيفة» و«صوته الخافت» مقارنةً بـ «قسوته» و«صلابته» في أفلامٍ وقصص كوميكس أخرى. الرجل البرق، باري آلان، (Flash) صاحب السرعة الهائلة، فتى «سخيف» إلى حدٍّ كبير. سايبورغ (cyborg) الفتى الممزوج مع الآلات، لا يؤمن بشيء، فاقد حتى للصلات مع والده. أما آرثر كوري أو «رجل البحار» (aquaman) فهو كاره للبشر، غير راغبٍ بإقامة علاقاتٍ نهائياً مع الأبطال الآخرين بخلاف قلةٍ قليلة، فضلاً عن علاقته الرديئة مع شعبه الأطلنطي. باختصار، هم أبطالٌ خارقون لكنّهم «كائنات ذات أخطاء، وأخطاء كبيرة أيضاً». هذا هو منطق سنايدر، ومدرسة ميللر ومور. النقطة الثانية المتمايزة في الفيلم أنّه تخلّص من «تسطيح» الشخصيات الذي حصل في الفيلم الماضي. يشير كثيرون من النقاد إلى أن التسطيح حصل لسببين، رغبة ويدون في أن يكون الفيلم خفيفاً، شبيهاً بأفلام Avengers لشركة «مارفل» وهي مملوكة لشركة «ديزني» التي تفضّل أن تكون أفلامها PG؛ و«القص» الكبير الذي طاول الفيلم، فحذف أكثر من نصفه، ما جعل أحداثاً وشخصيات كثيرة تصبح «غير واضحة المعالم» و«تفتقد أي بعد حقيقي أو عمق». مثلاً شخصيات البرق وسايبورغ، بدت بلا «طعمة أو لون أو رائحة»، بينما استطاع مشاهد نسخة زاك سنايدر فهم سبب تصرّف البرق بهذه الطريقة، ودوره الحقيقي في الفيلم، فيما تخلّصت شخصية سايبورغ من «غرابة أطوارها» التي شاهدها الجمهور في نسخة ويدون. الأمر عينه في تفاصيل وأحداث كثيرة في الفيلم. والأهم الذي أضافته «الإطالة» هو الأبطال الإضافيون الذين يعشق متابعو أفلام «السوبر هيروز» ظهورهم مثل «الفوانيس الخضر». إذ ظهر في الفيلم فانوسان أخضران (Green Lantern) «يلان غور»، و«كيلواغ»؛ كما ظهر «رجل المريخ» (Martian Manhunter)، و«ضربة الموت» (Death Stroke)، فضلاً عن إضافة مشاهد كثيرة لليكس لوثر وسواه تضيف إلى القصّة الكثير. القصة بحد ذاتها تغيّرت كثيراً في الفيلم، إذ إن إضافة أكثر من نصف الفيلم إليه، جعلت بداية القصّة ونهايتها تختلفان بشكلٍ جذري. البداية هذه المرّة شأنها شأن النهاية بوابةٌ للجزء الجديد من الفيلم، الذي يُرجّح أن توافق شركة «وارنر» على إنتاجه ومع المخرج نفسه بعد نجاح هذه النسخة.
نسخة سنايدر «للراشدين فقط» مليئة بالدماء والعنف والقتامة


فنياً، نجح سنايدر في تقديم نسخة قاتمة Grit، حيث القصة، والصورة كما الغرافيكس والموسيقى التصويرية للفيلم، تتمازج لتشكل صورة كاملة لجو كئيب إلى حدٍّ ما، يطلّ الأمل فيه أحياناً، وإن بشكلٍ ضئيل. وهذا النوع من القصص يقدّم للجمهور قصصاً رائعة: إذ إنه أقرب إلى الواقع، وميزته أنه حين ينتصر الخير، يشعر المشاهد بأنه فعلياً «حصل المستحيل». أدائياً، برز إلى حدٍّ كبير أداء بن أفليك في شخصية بروس واين، وهناك نقاش بأنه أفضل من أدّى هذه الشخصية، والمعلوم أن واين هي شخصية «الرجل الوطواط» السرية. في المقابل، لم يكن «الرجل الوطواط» الذي أدّاه آفليك جيداً، إذ بدا مترهلاً، مكسوراً، فاقداً للسحر الذي يمتلكه «الوطواط». غال غادوت بدورها هي أضعف نقاط العمل وأسوؤها، طبعاً ليس أوّل نقاط السوء كونها مجنّدة سابقة في جيش الاحتلال الصهيوني، لكنّ أداءها الباهت وجهدها القليل يجعلانها ضعيفة للغاية كممثلة، وهذا ما يطرح قوّة اللوبي اليهودي المتصهين في هوليوود، والإصرار على إدخال ممثلة «رديئة» إلى هذا الحد لتقديم شخصية المرأة المثالية والأكثر تميزاً في الكوميكس أي «المرأة الخارقة». بدوره، بدا هنري كافيل «سوبرماناً» حقيقياً في أدائه للشخصية، خصوصاً في لحظات افتقادها للمنطق، وهذا أعطاه بعداً لم نشهده في الشخصية من قبل. جايسون موموا، راي فيشر، وإيزرا ميلر نجحوا كثيراً في تقديم شخصياتهم بصدق، فبدا موموا أقرب للجوانب القاسية والحادّة من شخصية «أكوامان» وفيشر شكّاكاً غاضباً في شخصية «سايبورغ»، وميللر «طفولياً متردداً سخيفاً في بعض الأحيان» في شخصية «البرق».
في العموم، تبدو تجربة سنايدر ناجحة للغاية في تقديم فيلم عجزت «دي سي» منذ بدايات أفلامها على تقديم شبيهٍ له. إذ تفشل الشركة العملاقة في تقديم أفلام كوميكس ناجحة وذات بعد «جماهيري» مقارنةً بنظيرتها «مارفل» التي تتنافس وإياها على صدارة إنتاج الكوميكس في العالم. سنايدر هو الحل، لربما هذا ما ستعمل عليه الشركة لكي تعود للمنافسة. باختصار، هو فيلمٌ طويل بالتأكيد، لكنه يستحقّ المشاهدة حتى في أدقّ تفاصيله، إذ إنه ممتلئٌ بكل شيءٍ تقريباً، فضلاً عن الحرفية العالية في تقديمه: قصةً، مضموناً ورؤيةً.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا