فئة أفضل مخرج هذا العام، فيها شيء تاريخي. امرأتان تتنافسان في مواجهة ثلاثة رجال. التوقّع صعب هنا، فما لنا إلا التحليل. كلوي تشاو (أرض الرحل) هي المرشحة الأولى لكسب الجائزة، ولكن لا يمكن أن ننسى قوة «مانك» ومخرجه ديڤيد فينشر. «مانك» يتصدر الأوسكار بعشرة ترشيحات، ولكن كثرة الترشيحات لا تعني شيئاً، مثلما حصل مع مارتن سكوريزي العام الماضي عن «الإيرلندي»، يمكن أن يخرج «مانك» من الأوسكار بخفَّي حنين. للمرة الأولى، تترشح أميرلالد فينيل للأوسكار، ويتوقع أن ينال فيلمها «شابة واعدة» جائزة أفضل سيناريو أصلي، لذلك هي بعيدة عن جائزة أفضل مخرج. فاجأتنا الأكاديمية بترشيح توماس ڤينتربيرغ كأفضل مخرج عن «جولة أخرى»، المرشح أيضاً عن فئة أفضل فيلم أجنبي وهو الأوفر حظاً لنيلها. لذلك إن لم تحصد تشاو الجائزة، فإن فينشر يستحقها بجدارة، خصوصاً أنّ المخرج الأميركي لي إسحاق تشونغ، ليست لديه حظوظ بالحصول على هذه الجائزة. «مانك» هو الجواب على إحدى أكثر الجدليات عبثية في تاريخ السينما: مَن كتب «المواطن كين» (1941): أورسون ويلز أو هيرمان جايكوب مانكيويز؟ الفيلم كان البداية للأول، والنهاية للأخير. يروي «مانك» قصة مانكيويز: في ربيع 1940، وبعد حادث سير، كسر هيرمان جايكوب مانكيويز «مانك» (غاري أولدمان) ساقه، ثم نقل إلى مزرعة في صحراء موهافي لكتابة سيناريو «المواطن كين» في غضون 60 يوماً. يكتب مانك ويتذكّر محطّات من حياته: علاقته بشقيقة جوزيف مانكيويز (توم بيلفري)، وبلويس بي. ماير (أرليس هوارد) مؤسّس شركة «مترو غولدوين ماير»، والمنتج إيفرينغ ثالبيرغ (فيردنانت كينغسلي). الحفلات في «سانت سيميون»، قلعة ويليام راندولف هيرست (تشارلز دانس) وصداقته مع الممثلة ماريون ديڤيس (أماندا سيفريد).
«مانك» هو عمل ديڤيد فينشر الأكثر قرباً إلى قلبه. كتبه والده الذي توفي عام 2003. قوة فينشر في الفيلم أنه قدّمه بطريقة غير نمطية، وليس سيرة ذاتية. هو قديم بكل شيء، بالصوت والصورة والتصوير وحتى الأداء المسرحي الذي كان شائعاً في هوليوود ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين. قدّم فينشر الفيلم بأنماط سردية خاصة، وبلعبة مرايا جميلة، وبقفزات زمنية ومعلومات موازية وتنقلات متناغمة. ومع كل هذا، يبقى الفيلم عبارة عن دائرة متحدة المركز، له إيقاع ونبرة خاصّان، قريب جداً من طريقة عمل فيلم «المواطن كين». فينشر صانع أفلام بارع، يعرف كيف يروي قصصاً مثل هذه من مسافة آمنة، لا يستهلك بطريقة واضحة أو ساذجة ما يريد أن يقوله. لا يهتم بمدح أو إبداء الإخلاص لأحد أهم الأفلام الأساسية في تاريخ السينما (المواطن كين) ولكنه يروي فقط ما حدث وراء الكواليس حتى الوصول إلى الشاشة الكبيرة. وفي خضم هذا، لم يفلت الفيلم من بين يديه، ونجح في خلق وحش سيلتهمك عاجلاً أم آجلاً خلال المشاهدة.
امرأتان تتنافسان على الجائزة في مواجهة ثلاثة رجال


لأنّ «المواطن كين» ليس مجرد فيلم، بل باب مفتوح لهوليوود في حرب النزاع على السلطة، يقدّم فينشر «مانك» كقطعة انعكاس وتنقيح للأسطورة والماضي. يفعل ذلك بتقنية فنية وخطابية مذهلة لدقتها. دمج الأبيض والأسود للحفاظ على لغة رائعة بصرياً، وحافظ على الدراما الفكرية حول أهمية العمل الفني والمعارك بين القوى، بالإضافة إلى الخيوط التي تتحرك خلف الستارة في عالم معزول... عالم تكون فيه الشهرة مقياساً للنعمة أو الجودة المدمّرة لكل شخصية.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا