«أرض الرحَّل» لكلوي تشاو لا يزال المرشح الأقوى للفوز بأوسكار أفضل فيلم. فيلم تشاو (الثالث في مسيرتها) مزيج وثائقي وخيالي، يجمع ممثلة هوليوودية وممثلين غير محترفين. هم رحّل حقيقيون قدّموا شهادات حول كيف سمحت لهم الحياة على الطريق بتفادي الديون والنزعة الاستهلاكية والبطالة. تبني تشاو قصة خيالية تعطي فيها الحياة لفيرن (فرانسيس ماكدورماند) الأرملة والمعلّمة السابقة التي أُجبرت على حياة الطريق بعد مسح مدينتها (إمباير في ولاية نيفادا) عن الخارطة، وإلغاء رمزها البريدي. تكدّس بعض ممتلكاتها في شاحنة صغيرة وتذهب. تصبح الشاحنة بيتها، وتقفز من وظيفة إلى أخرى مع وجه الخسارة على وجهها، ولكن من دون الوقوع في اليأس. خلال الطريق، تلتقي برحّل حقيقيين، يصبحون مرشدين لها. فيلم تشاو، قاسٍ وبسيط، مختلف عن الأفلام المعاصرة التي تحوّل السينما إلى نوع من الكتب المصوّرة. رمادي ولكن تشاو على استعداد لمواجهة البساطة القاتمة من دون مبالغة، وقريباً جداً من الواقعية الإيطالية. تترك شقوقاً صغيرة، لدخول الضوء، كجرعات أمل. تشاو وفيرن لا تنظران إلى الحياة بسذاجة، ولكن ببراءة وثقة بالإنسانية. ظهرت هذه الإنسانية عند الرحّل الحقيقيين ورغبتهم في المشاركة وعجزهم عن الاستياء أو الشعور بالشفقة على الذات. وبهذا ينجح الفيلم بإضفاء شعور التعاطف مع هؤلاء البشر الذين لفظتهم الرأسمالية. لم تضفِ الطابع الرومانسي على أسلوب الحياة هذه ولم تؤبلسه أيضاً. وهنا، لا ندري إذا كان بإمكاننا أن نلغي هذا العام منافسة أفضل ممثلة، وتقديم الأوسكار منذ الآن إلى فرانسيس ماكدورماند لدورها. إذ أنّها تألّقت على الشاشة، نقلت كل نظرة وكل تجعيدة وكل تعبير عن حزن وسخط، بدون مبالغة وبكثير من العاطفة. أداء داخلي حي وإنساني، نتيجة تفاني الممثلة حتى في العيش في الشاحنة لفترة والعمل في الوظائف المؤقتة التي تحصل عليها شخصيتها طوال الفيلم. نهجها في الفيلم هو نفسه الفيلم: لا تمثل بل تختفي في الشخصية. يكفيها أن ترفع حاجبها أو تبتسم ابتسامة خفيفة أو تلوي وجهها لتخبرنا بكل ما تشعر به. أداء يخرج من الداخل، بدون لحظات متفجّرة أو عوامل خارجية مساعدة. لقد كانت فرانسيس ماكدورماند هي الجسد والروح لشخصيتها.


اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا