خسر التيار القومي النهضوي، كما خسرت الثقافة العربية، إبداعاً ونشراً وفكراً سياسيّاً، إحدى قاماتها المميّزة وأصواتها الفريدة، مع انطفاء خير الدين حسيب أمس في بيروت عن عمر يناهز الـ 92 عاماً. وقد نعى «المؤتمر القومي العربي» أمينه العام المؤسّس، «أحد أبرز مؤسّسي «مركز دراسات الوحدة العربيّة» وراعي تجربته المهمّة منذ عام 1975 حتّى استقالته من رئاسة مجلس أمنائه وإدارته العامة عام 2017».وقد جاء في بيان الأمانة العامة لـ«المؤتمر القومي العربي»، أن الدكتور خير الدين حسيب (1929 – 2021)، هو «مطلق المشروع النهضوي العربي مع العديد من مفكّري الأمّة ومثقّفيها من منابت فكرية وسياسية متعددة في 22 شباط 2010، وأحد مؤسّسي المؤتمر القومي ــــ الإسلامي، والمنظمة العربية لحقوق الإنسان، وجمعية الاقتصاديين العرب، وراعي العديد من الجمعيّات والمبادرات القوميّة المتخصّصة كمخيّمات الشباب القومي العربي، وندوات التواصل الفكري الشبابي العربي، والجمعيّة العربيّة لعلم الاجتماع وغيرها».
ولد خير الدين حسيب في مدينة الموصل، وتلقّى علومه الابتدائية والثانوية في مدارسها، والجامعية في جامعة بغداد. وبسبب تفوّقه الدراسي حاز منحة لدراسة المالية في جامعة كامبريدج البريطانية، حيث نال شهادة الدكتوراه، وقام بدور في قيادة الحركات الطلابية العربية، ليعود إلى بلاده مدرّساً في جامعة بغداد عام 1963، ثم حاكماً للبنك المركزي العراقي عام 1964. وأخذ على عاتقه إرسال قرض إلى مصر بعد حرب 1967.
بعد مغادرته العراق، عمل مديراً لمنظمة الإسكوا، ثم عمل في أواسط السبعينيات مع كوكبة من الشخصيات العربية الوحدوية على تأسيس «مركز دراسات الوحدة العربية»، حيث اختار خير الدين حسيب أن يبقى عاملاً طيلة الحرب اللبنانية، يصدر الكتب ويعقد الندوات، ويصدر مجلته الشهرية «المستقبل العربي» من دون انقطاع. وتقديراً لدوره الثقافي في لبنان، وبتوصية من الرئيس سليم الحص، منحه الرئيس ميشال سليمان الجنسية اللبنانية، فكان هذا خير إنصاف، لأنّ حبّ هذا العروبي للبنان لا يقلّ عن حبّه للعراق.
ويذكّر بيان الأمانة العامة لـ«المؤتمر القومي العربي» بدوره الكبير، «لدى تعرّض العراق للحصار منذ عام 1990، من خلال الهيئات الشعبية العربية، في تجنيد أوسع الطاقات العربية والعالمية انتصاراً للعراق في مواجهة الحصار، ثم خلال الحرب، ثمّ تحت الاحتلال». كما ساهم في دعم المقاومة العراقية، إضافة إلى دوره الملحوظ في دعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية حتى الرمق الأخير.
أدّى خير الدين دوراً مهمّاً في عدد من الملفّات القومية، ولا سيّما على مستوى العلاقات العربية ــــ العربية، «وخصوصاً في السعي لتحقيق لقاء بين سوريا والعراق قبل الاحتلال. وكانت تربطه علاقات قوية بأبرز الزعماء العرب، وخصوصاً الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي كان يعدّ إحدى الشخصيّات العربيّة المقرّبة إليه. وكذلك كانت له علاقات بالرئيس السوري حافظ الأسد، والرئيس العراقي صدّام حسين، والرئيس الجزائري هواري بومدين، والرئيس الليبي معمر القذافي، وحاكم الشارقة الشيخ سلطان القاسمي وكان معروفاً بجرأته وصراحته في لقاءاته مع الزعماء، كما في إطلالاته الإعلاميّة وتحرّكاته السياسيّة...».
ولا يمكن لأيّ مؤرّخ لتاريخ الحركة القوميّة العربيّة المعاصرة منذ سبعينيات القرن الماضي، أن ينكر الدور الريادي والتأسيسي الكبير للدكتور خير الدين حسيب (أبو طارق) الذي له في كل قطر عربي مكانة وعلاقات وصداقات، وله في كل مجال من مجالات الحياة العربية حيّز بارز.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا