«من الذي ما زال متعباً؟» يصدح صوت من أول الفصل. ذراعان ترتفعان بتكاسل. «حسناً، سوف ننام قليلاً بعد» كما لو كان الأمر عادياً في المدرسة. ثم تهبط الرؤوس مرة أخرى على الطاولات. إنه يوم عادي في صف «6 ب» في «مدرسة جورج بوشير» في ستاتالندورف، بلدة صغيرة في وسط ولاية هيسن في ألمانيا. في الصف، يتعلم أطفال بين عمر الـ 12والـ 14 من 12 دولة مختلفة.
«السيد باخمان وفصله» وثائقيّ طويل لماريا سبيث نال الدبّ الفضي ـــ جائزة لجنة التحكيم

الصوت الذي صاح من أول الصف، هو للمعلم ديتر باخمان البالغ 65 عاماً. بعد دقائق على بدء الوثائقي الجديد للمخرجة الألمانية ماريا سبيث، نكتشف سبب اختيارها هذا الفصل بالتحديد... ببساطة لأنّ السيد باخمان ليس مدرساً عادياً. «السيد باخمان وفصله» وثائقي طويل (ثلاث ساعات ونصف ساعة ـــ الدب الفضي ـــ جائزة لجنة التحكيم) عن أستاذ في مدرسة ابتدائية، يعلّم الأطفال المهاجرين بأساليب غير تقليدية. ماريا سبيث لم ترد الدخول في نقاشات حول أداء المعلم، فما يظهره الوثائقي أن السيد باخمان قادر على تشكيل الذكاء والتفكير والانفتاح عند التلاميذ. عزف على الآلات الموسيقية، الغناء، اللعب، كتابة القصص، مناقشات حامية بلغات مختلفة... كلها أشياء أساسية في فصل باخمان، لأنّ المعلم يريد إيصال الأطفال إلى مكان يكونون فيه قادرين على قبول أنفسهم وغيرهم برغم الاختلافات الكبيرة. الأطفال مختلفون عن آخرين في سنّهم وفي المدرسة، والسبب بسيط، فهم وصلوا منذ فترة إلى البلاد ولا يتقنون اللغة.
طريقة السيد بخمان في التعليم ثورية، تهدف إلى التقريب وليس الإبعاد أو وضع العلامات والمنافسة بين التلامذة. الحوار والكلمة ومشاركة الثقافات المختلفة هي التنوّع بحد ذاته في الصف. هذا التنوع يثري المساواة ويحفّزها، يخلق معها السيد باخمان أجواءً أسرية، ويبدأ دائماً مع الموسيقى لالتقاط الفروق الدقيقة لتلامذته. الفيلم حوّل الفصل إلى مسرح، ومن خلاله عرفنا الشباب والصبايا، وتحولوا إلى نجوم. نضحك ونبكي ونتأثر معهم. «فرحان» يحب أن يأخذ قيلولة. «تيم» يحمرّ خجلاً كلما اقتربت الكاميرا منه. «ريجينا» ذات الشعر الأحمر تمضغ دوماً شيئاً ما. «ربيعة» منذ وصولها إلى ألمانيا، غيّرت أربع مدارس قبل أن تصل إلى صف السيد باخمان. كل الشباب يعانون من مشاكل ما... وأحلام وطبعاً مخاوف. بأساليبه المسلّية، يحاول السيد باخمان أن يزيل العبء عن أكتافهم، وتقليل الضغط، والتشجيع والشغف والثناء. «السيد باخمان وفصله» فيلم عاطفي، نرى فيه صعوبات الأطفال الشخصية وكيف يتغلبون عليها، أو على الأقل التأقلم بشكل أفضل. كاميرا سبيث خفيفة تتوغّل طبيعياً في الفصل وبين التلاميذ. عمرهم حساس، إنهم يتركون فترة الطفولة ويدخلون المراهقة، والسيد باخمان حاضر دائماً لمساعدتهم على اجتياز كل شيء في الحياة.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا