بعد «بريدجيرتون» و«لوبين» وغيرهما من مسلسلات «نتفليكس» الأصلية، أدّى Firefly Lane (شارع فاير فلاي) خلال الأسابيع الأربعة الماضية أيضاً إلى إنعاش مبيعات الرواية التي يستند إليها، والصادرة تحت الاسم نفسه بتوقيع كريستين هانا في عام 2008.على مدى عشر حلقات، تتكشّف القصّة في ذكريات الماضي عن تطوّر صداقة عمرها ثلاثة عقود بين «تالي هارت» (كاثرين هايغل) و«كيت مالاركي» (سارة تشالك). العمل الدرامي الذي تولّت ماغي فريدمان تأليفه وكتابة السيناريو الخاص به وإنتاجه، يسير في ثلاثة خطوط زمنية (من السبعينيات إلى منتصف الألفية الجديدة) في سبيل إبراز كلّ جوانب هذه الصداقة المتينة بين «تالي»، الشخصية التلفزيونية الشهيرة والمحبوبة التي تقدّم البرنامج الحواري The Girlfriend Hour، وربّة المنزل «كيت» التي قرّرت حديثاً الطلاق من زوجها «جوني رايان» (بن لوسون ــ معدّ برنامج «تالي» ورئيسهما السابق في العمل) والعودة إلى سوق العمل سعياً وراء حلمها الصحافي القديم.
يتنقّل المسلسل الذي لا يمكن اعتباره أميناً جداً للكتاب بين سبعينيات القرن الماضي وعام 2005 مروراً بسنوات الثنائي في الجامعة ومراحلهما الأولى في مهنة المتاعب، فيما تمكّن من الحفاظ على الاتساق طوال تصوير الأعوام الثلاثين. تقوم فريدمان بذلك عن طريق الحفاظ على بعض أجزاء كل شخصية كما هي، كظل العيون الأزرق الذي تعتمده «تالي»، ونظارات «كيت» الكبيرة، وشغف «جوني» لتغطية مناطق الحروب والنزاعات. إنّه تصوير مثالي للصداقة بين امرأة قوية وطموحة ذات ماضٍ محطّم جعل قلبها بارداً، وأخرى شغوفة ومهووسة ترعرعت في كنف عائلة مستقرّة، تبتعد عن الأضواء وتضحّي بحياتها المهنية في سبيل عطش صديقتها للأضواء.
على السطح، يتمحور Firefly Lane (اسم شارع متخيّل حيث يقع منزلا عائلتَي «تالي» و«كيت») حول أعلى مستويات الصداقة بين الإناث. ومع ذلك، وبمجرّد الغوص قليلاً، يدرك المشاهد أنّه أمام سلسلة من مواضيع أوسع من بينها العلاقات بين الأمّهات وبناتهن، الميزوجينية (كره النساء)، وصمة العار المرتبطة بالمثلية الجنسية (من خلال شقيق «كيت»)، العلاقات الغرامية المعقّدة، اضطراب ما بعد الصدمة وغيرها. هنا، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ المسلسل يضيء على وجوه مختلفة لعلاقة الأم بابنتها وكيف تؤثّر على تطوّر شخصية الأخيرة. فعلاقة «تالي» بأمّها العازبة المدمنة على المخدّرات «كلاود» (بو غاريت) تجعلها تعيد تقييم قرار الأمومة، فيما تريد «كيت»، التي نشأت في كنف أمّ تضحّي بمصالحها ورغباتها للحفاظ على تماسك الأسرة، أن تقدّم مثالاً مغايراً تماماً لابنتها «مارا».
«مستقبل الصحافة هو المرأة... أنا مستقبل الصحافة. والمستقبل يبدو مشرقاً»، تقول «كيت» لنفسها وهي ترتّب هندامها قبل التوجّه إلى مقابلة عمل في غرفة أخبار محلية. جملة قد تختصر الحصّة الوافرة التي أعطيت للصحافة في Firefly lane. يجسّد المسلسل الميزوجينية والذكورية المتجذّرتَيْن في عالم صناعة الإعلام، مستعرضاً الألم والمشقة والمعايير المجتمعية التي تُفرض على النساء (كيف تتم معاملتهن أثناء الحمل مثلاً، أو النظرة إليهنّ إذا كنّ في منتصف العمر وأردن الإنجاب، أو التنازلات التي تطلب منهن بغية الحصول على وظيفة).
تستند السلسلة إلى كتاب بالعنوان نفسه لكريستين هانا صادر في عام 2008


ومع تقدّم «كيت» لوظيفة جديدة بعد سنوات من الانقطاع، يبرز التطوّر السريع في هذا العالم الذي قد يأخذ أحياناً شكل التفاهة والسطحية، في الوقت الذي تُلخّص فيه شخصية «جوني» كيف كانت تتم صناعة الأخبار في الثمانينيات والتسعينيات وفشل التغطيات في تسليط الضوء على العنف والوحشية والحقيقة السائدة في العالم.
مع مرور الحلقات، يعتقد المرء بأنّ «تالي» فُصّلت على قياس كاثرين هايغل. فمن الجيّد أن نرى مذيعة البرنامج الصباحي «آبي ريختر» من فيلم The Ugly Truth و«إيزي» من سلسلة Grey’s Anatomy تلعب دور مراسلة جريئة وواثقة في Firefly Lane. لكن في المقابل، لم يتم استغلال إمكانات تشالك التمثيلية على أكمل وجه، إذ يُترك الجمهور راغباً في معرفة المزيد عن جانبها من القصة.
هاتان الشخصيتان وغيرهما، تتطوّر بشكل لافت فيما تقدّم كل حلقة خلفية تاريخية عن سبب تصرّف كلّ منها بطريقة معينة. صحيح أنّ هذا الأمر يبدو ضرورياً، غير أنّ السّرد يصبح في بعض الحلقات بطيئاً بعض الشيء، حتى إنّه قد يبدو مفتعلاً في كثير من الأحيان.
يأتي Firefly Lane أيضاً بشعور معيّن من الغموض منذ البداية، حين نرى «كيت» وابنتها تستعدان لجنازة، في غياب «تالي» في الحلقات السبع الأولى، في إشارة إلى أنّها قد تكون قد توفيت. في حين أنّ الهدف هو جذب المشاهد، إلا أنّ جرعات التشويق هذه سرعان ما تتلاشى مع تقدّم الأحداث.
في محطات عدّة، يحيلنا هذا العمل الدرامي إلى آخر من إنتاجات «نتفليكس» الأصلية هو Sweet Magnolias، كونه يضمّ أيضاً حبكات فرعية حول العلاقات الغرامية والجنسية بعد الطلاق، انقطاع الطمث والصداقات التي استمرت دهراً...
يبحث «شارع فاير فلاي» في تشابك الصداقات والحياة العاطفية، وكيف أننا غالباً ما ننجذب إلى شخصيات معاكسة لنا، وأنّ الحياة ستُجبرنا على الخروج من قوقعتنا بطريقة أو بأخرى. كما يوضح عدد المرات التي تعيد فيها صدمات ماضينا ملاحقتنا في المستقبل. والأهمّ أنّه مهما كان الشخص يعتقد أنّه يعرف أفضل أصدقائه أو عائلته جيداً، فقد يكون في حقيقة الأمر لا يعرفهم أو يفهمهم إطلاقاً. مع ذلك، يشدّد Firefly Lane للنساء على أنّه في حين أنّ «الرجال قد يأتون أو يذهبون»، إلا أنّ الأصدقاء (الإناث منهنّ تحديداً) هم الثابت الوحيد بغضّ النظر عن المواقف والظروف!
لا شكّ في أنّها سلسلة مُبهجة يمكن وضعها ضمن خانة الـ Binge Watching (المشاهدة بإفراط أو شراهة)، ستدفع المرء إلى مسح دموعه باستمرار وتشجّع على العلاقات الرومانسية، مع موجات كبيرة من النوستالجيا والتساؤلات حول صناعة الإعلام بين الماضي واليوم. سيتعرّف المشاهد إلى اتجاهات الموضة في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، كما سيدرك مدى اشتياقه في زمن كورونا إلى الخروجات الليلية، وربّما سيصبح أكثر وعياً بالميزوجينية من حوله. في غضون ذلك، تشكّل الموسيقى عنصر جذب قوياً في «شارع فاير فلاي»، في حين أنّ المشاهد الجنسية المُفرطة والإكثار من استخدام الكلمات النابية تبدو في غير محلّها وخارجة عن السياق، كأنّها وُجدت لأسباب تسويقية بحت.
في المقابل، لا شكّ في أنّ السلسلة تفتقد إلى السرد الواضح للقصة ويمكن أن تبعث على الملل في كثير من الأحيان. شعور تكسره من دون شك صدمة النهاية المحيّرة التي تشغل روّاد مواقع التواصل الاجتماعي منذ بداية شباط (فبراير) الماضي. ماذا حلّ بصداقة «كيت» و«تالي» وما سبب كلّ هذا الجفاء؟ سيناريوات عدّة متوافرة حالياً على السوشال ميديا بناءً على أحداث الرواية، على أمل أن تقدَّم الإجابة في جزء ثانٍ بات احتمال إنجازه قوياً جدياً.

Firefly Lane
متوافر على «نتفليكس»

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا