أحد أكثر المشاهد المتكرّرة في السينما الأميركية، ذلك الذي يحدث في المطارات، خصوصاً في المرحلة التي كانت فيها شركات الطيران في الشرق الأوسط أو آسيا تخشى اختطاف طائراتها من قبل حركات المقاومة. في ذلك الوقت، كان يسكن البيت الأبيض الرئيس ريتشارد نيكسون، الذي أكد عبر سياساته الخارجية على سيناريو الحرب الباردة، ووضع مسافة بين الولايات المتحدة والمناطق المشار إليها. في ذلك الوقت، لم تكن تركيا بلداً محبوباً، نتيجة تهريب المخدّرات. في هذا الإطار الدولي، بدأت ملحمة ويليام «بيلي» هايز.حُكم على الشاب ويليام هايز المواطن الأميركي بالسجن لأكثر من أربع سنوات، بعد اعتقاله في مطار إسطنبول محاولاً تهريب 2 كيلو من الحشيش إلى أميركا. قضى هايز الحكم في أحد السجون، وقبل أسابيع من إطلاق سراحه، تم إلغاء عقوبته، ومحاكمته من جديد وحبسه مدى الحياة. في تلك اللحظة، قرر هايز الهروب من الأسر ونجح بعد سنوات، ووصل إلى أميركا بعدما قطع الحدود التركية اليونانية. أنجز كتاباً عن تجربته وحياته في السجن بعنوان «قطار منتصف الليل» (1977). رأى المخرج البريطاني آلان باركر والمخرج والكاتب الأميركي أوليفر ستون إمكانيات هذه القصة والكتاب، وقررا تقديمها على الشاشة الكبيرة. والنتيجة «قطار منتصف الليل» (1978) أحد أكثر أفلام السجون شهرة في تاريخ السينما. على الرغم من أن الفيلم يستند إلى كتاب سيرة ذاتية؛ إلا أنه لا يزال فيلم سجن نموذجياً، أعاد إحياء هذا النوع من الأفلام، متأثراً بعينات سينما السجون في الخمسينيات.
أوضح الفيلم العديد من المخاوف التي تثيرها السجون، من بينها فقدان الاستقلالية، الشعور بالملل والفوضى، العنف بين النزلاء، تعسف حراس السجن، تلاشي الذكورة، الحرمان من الحياة الجنسية والضعف المستمر للصحة العقلية. وعلى الجانب الآخر، صوّر الحراس الأتراك كشخصيات كاريكاتورية، عنيفة وقاسية وغير إنسانية. اعترف أوليفر ستون (أوسكار أفضل سيناريو مقتبس) الذي كتب الفيلم أنه بالغ في تصوير القصة الحقيقية وقدّم تركيا على أنّها بلد غير متحضّر، واعتذر بعد سنوات. المخرج آلان باركر، قدّم محيط تركيا الغامض، ووضع الارتباك في كل مكان، ونشر الاضطراب. وضع هايز في سجن يشبه الفندق السيّئ، حيث يتم الخلط بين عدم انتظام الحراس وعدم نظافة السجناء. السجن في فيلم باركر يتوقف فيه الزمن، ولا توجد جداول زمنية. يفعل الجميع ما يريدون، ولكنْ أيضاً القمع والتعذيب موجودان. وكما يحدث في قصص أوليفر ستون، تتحول البراءة إلى كراهية وتفسح المجال للجنون والرغبة في الهرب من الحياة والسجن الذي يحوّل الإنسان إلى وحش مجرد من أخلاقه. في حين أن الثلثين الأولين من الفيلم هما روتين عن حياة السجون؛ يبدأ بالإقلاع في الجزء الأخير قبل نهايته، عندما يدخل هايز الجناح المخصّص للمضطربين عقلياً. هذا هو المكان التي يبدأ فيه باركر بحرية إنشاء المطهر على الأرض، مع عشرات السجناء ملفوفين بأثواب بيضاء قذرة ويتجولون في سراديب الموتى. هنا ينحرف الفيلم عن أصله الأدبي، ويحقّق أعظم إنجازاته الفنية.
ليس صعباً جداً اكتشاف سرّ نجاح فيلم «قطار منتصف الليل»، الذي يغري أجيالاً من الشباب. فالبطل ويليام الذي أدى دوره براد ديفيس (عاش حياة مضطربة ومات في سن صغيرة) تجاوز السلطة، ونجح في الهروب، كأنّ سلطة السجن هي نفسها ضغط المجتمع والأهل على الشباب. الفيلم يمكن أن يكون قصة تمرد، وقصة فوضى وحتى عدالة. في النهاية، ينتهي الأمر بالمجرم أن يكون حراً لمجرد أن المعاقبين عنيفون للغاية؛ وينتهي الجمهور بدعم هروب هايز لمجرد أنّ العقوبة تتجاوز بكثير الجريمة المرتكبة. لكن بالنسبة إلى كاتب السيناريو أوليفر ستون، فهي ليست أكثر من حالة إفراط في الاستبداد النموذجي لدول العالم الثالث. على الرغم من أنّ الجريمة المرتكبة هي تهريب مخدّرات، إلا أن هناك روحاً سياسية في الفيلم. ويليام ممثلاً لشعب حرّ يتعرض لمضايقات نموذجية لسلطة دكتاتورية. وبما أن حقوق الإنسان غائبة في السجون التركية؛ فإن الفيلم يغرق في رمال سينما الاحتجاج. ولا يمكن فصله عن المسار السياسي في السبعينيات. الفيلم مُعد ليكون كتيّباً عن الوطنية الأميركية، حيث ينتهي الأمر بـ «اليانكيز» إلى كونهم الوحيدين الذين يمكنهم الحكم على ما يجب أن يكون عقوبةً عادلةً.

* Midnight Express على نتفليكس

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا