ما الأثر الذي سيخلّفه الوباء على الاقتصاد العالمي؟ تقدّم المتخصّصة الاقتصادية اليسارية غريس بلايكلي نقداً للتحوّلات الاقتصادية العالمية التي تتجه نحو رأسمالية احتكاريّة، تتفوّق فيها الشركات التكنولوجيّة على حساب قطاعات أخرى. هنا، بعض من أحدث الكتب التي تحاول رسم صورة العالم بعد الوباء، اقترحتها جريدة «نيويورك تايمز» أخيراً. في «الحياة ما بعد كوفيد – 19: دروس من أوبئة سابقة» يقرأ بوب غوردون تحديات كورونا السياسية والطبية والطبقية ومظاهرها بالاستناد إلى الأوبئة السابقة التي اجتاحت العالم. الاقتصادي والمحامي الأميركي جيمس ريكاردز يتوقّع مستقبلاً قاتماً للولايات المتحدة في مؤلّفه «الكساد الكبير الجديد – الرابحون والخاسرون في عالم ما بعد الوباء»، منذراً بأن تأثير الوباء لن ينقضي قبل ثلاثة عقود. أما الأكاديمي سكوت غالواي، فيؤكّد أن الوباء جاء ليسرّع من وتيرة التحولات الاقتصادية التي كانت تنحو بهذا الاتجاه منذ فترة طويلة، مندّداً في مؤلفه «ما بعد كورونا: من أزمة إلى فرصة»، بأولويات الإنفاق الحكومي وتدخّلات الدولة في أميركا التي عزّزت دور الشركات الكبرى المهيمنة
كيف سيغيّر الوباء الرأسمالية؟
غريس بلايكلي



ترصد الكاتبة البريطانية غريس بلايكلي التغيرات الاقتصادية التي أحدثها الوباء حول العالم. المنظّرة الاقتصادية اليسارية والناشطة في حزب العمال البريطاني، ترى في كتابها The Corona Crash – How the Pandemic Will Change Capitalism الصادر عن «فيرسو بوكس» أن الوباء أحدث أسوأ ركود اقتصادي منذ الحرب العالمية الثانية، مشيرة إلى أن تأثيره يفوق الانهيار العالمي سنة 2008. وفيما كان الركود ينذر بالقدوم منذ فترة طويلة، إلا أن تأثيره في الدول الأشدّ فقراً بات ملموساً بشكل واضح، حيث يواجه 100 مليون شخص حول العالم مصير الفقر. ما تقوله الكاتبة الشابّة، إن العالم لن يعود إلى ما كان عليه في السابق، إذ أن نتائج الوباء ستقود العالم إلى حقبة جديدة من الرأسمالية الاحتكارية، يسقط فيها اقتصاد الشركات بيد الدول، فيما سيزداد اقتصاد الشركات التكنولوجية نموّاً، مثل نتفليكس وأمازون. وهنا، تقدّم نقداً جذرياً للسلطات التي تحوّلت إلى مجرّد خادمة للشركات الكبرى، التي استحوذت بدورها على الأموال المجانية للبنوك المركزية على حساب ملايين الأفراد الذين يتحمّلون المزيد من الديون. وهذا ما ينعكس على نطاق أوسع، بتعزيز مزايا دول الشمال العالمي بالمقارنة مع مزايا أقل للجنوب العالمي.

«الحياة بعد كوفيد – 19: دروس من أوبئة سابقة»
بوب غوردون



يستعيد بوب غوردون في مؤلّفه «الحياة بعد كوفيد – 19: دروس من أوبئة سابقة» (Banovallum) أشهر الأوبئة التي شهدتها البشريّة، ويتوقف عند خصائصها وتأثيراتها السياسية والاقتصاديّة والطبيّة. إخفاقات الأطباء والمؤسسات الطبية في فهم فيروس كورونا لم تكن الأولى. إذ لطالما اصطدمت المؤسسات العلمية واحتارت أمام هذه الأوبئة. يضع الكاتب الكندي وباء كورونا ضمن سياقه التاريخي، مقارناً نتائجه من أوبئة سابقة. يأخذ القارئ إلى القرن الرابع عشر، وتحديداً إلى فترة انتشار الطاعون الدملي، الذي عرف بالموت الأسود بقتله ثلث سكان أوروبا. ظلّ هذا الطاعون يظهر على مدى قرون، خصوصاً في لندن القرن السابع عشر. لا يتوقّف الكاتب عند التأثيرات الصحيّة فحسب. إذ يستعيد التأثيرات السياسية لبعض الأوبئة مثل الحمى الصفراء التي أفسدت طموحات نابليون التوسعية في سان دومينغو، والتيفوس في روسيا. كما يورد تأثيرات الإنفلونزا الإسبانية التي اجتاحت العالم قبل قرن. انطلاقاً من الأوبئة السابقة، يحاول المؤلّف تلمّس التغيرات التي ستطاول العالم بعد وباء كورونا، والتي بدأت بالظهور في الفترة الأولى لانتشاره، أبرزها التحديات التي واجهت بعض القطاعات حول العالم مثل السياحة وشركات الطيران، والقطاع التعليمي... مذكّراً بالفروقات الطبقيّة التي تتجلّى مع كلّ وباء، إذ لطالما لجأ الأثرياء إلى الفرار نحو أماكن الاستجمام بعيداً عن المدن، تاركين الفقراء لمصائرهم.

«الكساد الكبير الجديد الرابحون والخاسرون في عالم ما بعد الوباء»
جيمس ريكاردز



لا تشبه الأزمة الاقتصادية التي خلّفها وباء كورونا، أياً من الأزمات السابقة في عام 2008 أو حتى في عام 1929. يحسم جيمس ريكاردز الأمر في مؤلفه الجديد «الكساد الكبير الجديد – الرابحون والخاسرون في عالم ما بعد الوباء» (Portfolio)، مؤكّداً أنها الأزمة الاقتصادية الأسوأ في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية. يدين الاقتصادي الأميركي الاستجابة السياسية للوباء في أميركا ودول أخرى، ولدورها الأساسي في الوصول إلى هذا الركود الاقتصادي الذي يطاول الطبقة العاملة في الدرجة الأولى. لا يبدو ريكاردز متفائلاً على الإطلاق، إذ يشير إلى أن التغيّرات التي أدّى إليها الوباء على صعيد العمل والقطاعات الأخرى، ستكون دائمة وثابتة على الأرجح. هكذا يتوقّع فترة لا تقلّ عن 30 عاماً من النمو الاقتصادي المنخفض، ملوّحاً بأن ميل الحكومات إلى تحمّل ديون ضخمة، لن يسهم إلا في إبطاء التعافي الاقتصادي من تبعات الوباء. في قراءته الاقتصادية للحالة في الولايات المتحدة، يرسم ريكاردز تصوّراً قاتماً للمستقبل. إذ أن الموظفين المطرودين من العمل، سيظلون زائدين عن حاجة الشركات. كما أن حالات الإفلاس ستكون شائعة، وستنهار البنوك تحت وطأة الديون. الكاتب الذي توقّع الأزمة الأسوأ في تاريخ أميركا، يدحض الخطاب المطمئن الآتي من وول ستريت والبيت الأبيض، مؤكّداً أنه مجرّد وهم، أمام ما ينتظر البلاد.

«ما بعد كورونا: من أزمة إلى فرصة»
سكوت غالواي



يتمحور كتاب «ما بعد كورونا: من أزمة إلى فرصة» (Portfolio) لسكوت غالواي حول التغيّرات التي فرضها كورونا على صعيد العمل، منذ أن تحوّلت غرف النوم والجلوس إلى مكاتب جديدة. بعض القطاعات والمصالح وجدت نفسها في القمّة فجأة مع ازدياد الطلب عليها مثل الشركات التكنولوجية كـ Zoom وAmazon، على حساب قطاعات أخرى مثل التعليم. يرى الكاتب الأميركي أن هذه التحوّلات لم تكن نتيجة كورونا، بل إن الوباء سرّع من وتيرتها التي كانت تنحو في هذا الاتجاه منذ فترة طويلة. الأكاديمي في «كلية ستيرن للأعمال بجامعة نيويورك» يلجأ إلى بعض الرسوم التوضيحية في مؤلّفه لتتبع الفرص التي استغلّتها الشركات التكنولوجية الكبرى، محذّراً من أن صعود هذه الشركات سيزيد من صعوبة مراقبة سلوكها السيّئ في السوق. في المقابل، سيجد قطاع التعليم العالي نفسه أمام تحديات كثيرة للاستمرار، ما قد يدشّن عصراً جديداً من التعليم. يركّز غالواي على المجتمع الأميركي، ضمن تخوّفه من أنّ الإنفاق الحكومي وتدخّلات الدولة، لم يفعلا شيئاً سوى خدمة وتعزيز دور الشركات الكبرى المهيمنة.
لقد عمّق الوباء الفجوة بين الحكومة والمجتمع، وبين صورة أميركا المتخيّلة كأرض للفرص، وبين واقعها المقلق. شرخ لن تردمه أي خطّة ما لم تتخذ السلطات تدابير لمكافحة الاحتكار، وفق غالواي.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا