في بداية كل عام، يفتتح «مهرجان صندانس» العام السينمائي. يُعتبر الحدث منصة للأفلام المستقلّة، يواصل كل عام تقديم المواهب الجديدة. هو احتفالية الممثل روبرت ردفورت بالسينما المستقلة منذ عام 1978. وهذا العام (28 كانون الثاني/ يناير حتى 3 شباط/ فبراير 2021)، سيقام المهرجان مع مراعاة التباعد الاجتماعي في صالات صغيرة في مواقع مختلفة في أميركا، من يوتاه معقل المهرجان إلى كاليفورنيا ونيويورك، وأيضاً افتراضياً إلى جانب عروض يشاهدها الجمهور من داخل السيارات وفق نظام Drive-In. مسابقة جديدة أضيفت هذا العام إلى مسابقات المهرجان. أواخر عام 2020، أقيمت النسخة الأولى من مسابقة «صندانس. تي. في» للأفلام القصيرة من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. 371 فيلماً عربياً شاركت في المسابقة، عُرضت على لجنة تحكيم تألّفت من الممثلة الأميركية أوما ثيرمان والمخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر والكاتبة القطرية صوفيا الماريا والمنتج التلفزيوني هارولد غروننثال. حصدت الجوائز أربعة أفلام، ثلاثة منها من لبنان. المركز الأول ناله فيلم «زي ما انتي شايفة» للمخرجة المصرية غادة فكري. أما المراكز الثاني والثالث والرابع فذهبت للأفلام اللبنانية: «الجبل الأحمر» لكامل حرب، «8 سنين» لزياد مزرعاني، «كيف تحولت جدتي إلى كرسي» لنيكولا فتوح. وحصل فيلم خامس هو «بيت بيوت» للفلسطينية ميار حمدان على تنويه خاص من لجنة التحكيم. سوف تُعرض الأفلام الرابحة في «مهرجان صندانس» وعلى قناة «صندانس. تي. في». هنا وقفة مع الأفلام اللبنانية الفائزة بعدما سنحت لنا فرصة مشاهدتها، إلى جانب دردشة قصيرة مع صانعيها:

«الجبل الأحمر»
كامل حرب



«بقولو إذا حدا قطع الجبل بصير لونو أحمر»، يتهامس أحمد (أحمد بدير) ومهدي (مهدي هاشم)، عند جلوسهما في العلية بجانب النافذة المطلة على الجبل هروباً من الواقع. في جنوب لبنان، صيف 1998؛ يستحيل ضيق المساحة ووسع الأفق سجناً لا يمكن الفرار منه لأحمد ومهدي الطالبين في المدرسة الداخلية. حلم الهروب من الواقع القاسي الذي يعيشانه يأخذهما بعيداً في أفكارهما وخططهما. عقبة قاسية قد تهدّدهما: الجبل الذي يقف عالياً. «الجبل الأحمر» (14 د.) للمخرج كامل حرب، يلقي نظرة على واقع طفلين رغم أنهما في الصيف، إلا أنهما غير قادرين على التخلص من برودة المكان الذي يعيشان فيه حيث تتصارع رغباتهما وهواجسهما والتأثيرات النفسية على ما حدث ويحدث معهما كل يوم. فيلم كامل حرب بسيط، رغم تعقيدات مشاعر الأولاد، إلا أنه ينقل الكلمات إلى مشاهد وحوارات بسيطة وبعض الإيماءات وخيال أولاد خصب. واقعية كاميرا حرب تجسّد خيال وأضواء وأصوات الأولاد. أولى المخرج عناية بكل تفصيلة في الفيلم، اعتمد منهجية موضوعية تعيدنا إلى الواقعية القديمة. احترم ذاكرته بل كان مخلصاً لها. عمله شخصي إلى أبعد حدود، يجسد ذكريات طفولته، تماماً كما اعترف: «ما حدث في طفولتي أنا تحديداً شديد التأثير على كل ما فعلته، وما سوف أفعله ولم أغمض عينيَّ يوماً إلا لأستشعر طعماً قديماً من مشاهد الماضي الحيّة. أنا شاب متعلق بماضيه، لست مهووساً فقط وإنما شغوف باختراع آلة تسمح لي بالسفر إلى الماضي ولست أكترث بكل تفاصيل المستقبل».

«كيف تحوّلت جدتي إلى كرسي»
نيكولا فتوح



يلقي فيلم «كيف تحولت جدتي إلى كرسي» للمخرج نيكولا فتوح بوزن الحياة والموت على كاهلنا. يتحفظ على التكلم عن الموت والحزن. يركز على الجانب المظلم من الطبيعة البشرية التي تبدأ في الظهور عند حدوث أمر كبير. يطرح مواضيع إنسانية بطريقة مميزة فنياً. قصة الفيلم بسيطة: في منزل الجدة القريب من البحر، يقترب الأخير بلا هوادة. في الداخل، تبدأ الجدة بفقدان حواسّها الخمس الواحدة تلو الأخرى، وتصبح تدريجاً خشبية. ذات يوم، تتحول تماماً إلى كرسي خشبي بينما تنتظر أن يقوم أبناؤها الجشعون بزيارتها. روز، «الوحش» تعمل كمدبرة منزل، تبذل قصارى جهدها لمنع التحول، لكنها تفشل. في النهاية، تتأكد الجدة من الإنسان الناعم الذي يعيش داخل سطح روز الخشن والشائك. يجعلنا الفيلم نتعاطف مع الشخصيات بدون أن تنطق بكلمة.
أمامنا رسوم متحركة أُنجزت بدقة، وأصوات وُزعت لتثير فضولنا، تصبح أداة استشعار، تتلمّس الإيقاعات وتكشف التعابير وتعرض اختلافات ردات الفعل. كل ذلك في عشر دقائق، ننتقل فيها إلى عالم رسوم متحركة ترتفع مع تألق فني. هي لعبة الحياة وتعقيد لحظات الموت وقبولها. قدّم نيكولا سلسلة مجردة وغامضة نوعاً ما، وقد نجد السوريالية متعبة في بعض الأحيان، ولكن كل شيء مليء بالعاطفة، خاصة في الاستعارة والمجاز اللذيْن يستعملهما. في النهاية، «كيف تحولت جدتي إلى كرسي» فيلم إنساني صادق، مبني على قصة حقيقية، تتعلق بالمخرج شخصياً؛ «لطالما عاشت جدتي بالقرب من منزلي» يقول نيكولا، «ربما لهذا السبب، لم أشعر بالحاجة إلى زيارتها، اعتقدت أنها ستكون هناك دائماً، وأن لديّ متسعاً من الوقت لزيارتها لاحقاً. لكن ذات يوم، فجأة، لم تعد هناك. لقد حطّم هذا قلبي وجعلني أندم على عدم زيارتها كثيراً». ويكمل: «لقد كنت محظوظاً جداً لأنني تمكنت من الاحتفاظ ببعض الأشياء الصغيرة التي كانت عزيزة جداً عليها، ولكن روز مدبّرة المنزل احتفظت بكرسيها، بالنسبة إلى روز، يمثل هذا الكرسي الجدة». ويختم: «أرغب من خلال الفيلم بتخفيف آلام فقدان شخص عزيز. لأنني أعتقد أن أحباءنا لا يغادرون أبداً، لكنهم بدلاً من ذلك يصبحون قطع أثاث اعتادوا عليها ويواصلون الاعتناء بنا».

«8 سنين»
زياد مزرعاني



بكاميرا رقيقة شاعرية ورمزية، تدنو من وجوه الشخصيات وتربت على أكتافها؛ يروي المخرج زياد مزرعاني فيلمه بأسلوب بصري مميز. «8 سنين» (كتابة دوريس سابا) يلعب على الجناس؛ لا نتكلم عن الشعر، بل عن المشاعر. عواطف واضحة ومشاعر إنسانية عارية. القصة تدنو منّا بروية، تغرقنا في تفاصيلها، نتأمل مشاهدها ونسأل أنفسنا عن معانيها. فيلم عن كيفية اختيار ما يناسب مَن نحب في هذه الحياة التي يعيشونها داخل جسدهم وعقلهم. يجسد الفيلم صورة جميلة عن الإنسان والحياة، عن جوهر حياتنا وحياة مَن نحب. صنع مزرعاني فيلماً عن عالم صغير وهادئ. شريط مليء بالحلزونات والأصوات ومشاهد الذاكرة التي تروي لنا قصة نجلا، امرأة تتمحور حياتها حول نفسها. فيلم بمزاج تأملي، كمزاج نجلا، ننسى معه الوقت ونبتعد قليلاً عن العالم الحقيقي حولنا. تجنّب مزرعاني الوقوع في فخّ العواطف الزائفة أو المبالغ فيها. جسّد حباً غير مشروط بسلاسة، محقّقاً توازناً بين العاطفة وبين الشخصيات وجدية حياتها. ولكن من هي نجلا؟ نجلا هي عمة زياد، امرأة يبلغ عمرها الجسدي 67 عاماً والعقلي 8 سنوات. يروي الفيلم العلاقة الشخصية واليومية بين نجلا وابن اخيها زياد. يقول زياد: «الحياة عبارة عن فيلم، كل واحد منا بطل فيها. نرسم ونخطط أحلاماً كثيرة على أمل أن تتحقق، والكثير من الطرقات تُفتح في الحياة، وفي نهايتها نجاحات كبيرة. للوصول إليها، هناك طريق متعب وتفكير وخيبات، وهذا بالتحديد ما حصل معي في الفيلم». أما دافع زياد لصنع الفيلم، فهو «وجهة نظر العالم الظالمة وغير الصحيحة عن التأخر الذهني. أردت أن أصحّح وأوضح وجهات النظر عن هذا الموضوع عن طريق السينما».


اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا