في تموز (يوليو) 1941، احتل الجيش البريطاني سوريا ولبنان بعد طرد القوات الفرنسية الموالية لحكومة فيشي. نجم عن هذا الأمر ضخّ كميات كبيرة من النقد في السوق المحلي بسبب الإنفاق المتزايد للقوات البريطانية، ما أدى إلى تضخم ترافق مع الحاجة إلى طباعة كميات جديدة من النقد الورقي، ولا سيما الفئات الصغيرة من أجل تأمين حاجات الإنفاق اليومي. لذلك، أصدر المندوب العام لفرنسا قراراً في 3 أيلول (سبتمبر) 1942 سمح فيه لـ «بنك سوريا ولبنان» (بنك الإصدار حينها) بإصدار «بونات على الصندوق» تتمتع بقوة إبرائية شبيهة بالأوراق النقدية المتداولة. ولما كانت الحاجة ماسة تحديداً إلى أوراق نقدية من فئة الخمس ليرات التي كانت تُستخدم لدفع رواتب القوات البريطانية، الأمر الذي كان يتم مرة كل أسبوع، لجأت إدارة «بنك سوريا ولبنان» إلى المطابع المحلية من أجل طباعة ورقة نقدية جديدة من هذه الفئة كي تتمكن من وضعها في التداول بسرعة من دون الحاجة إلى انتظار وصول هذا النقد الورقي من المطابع الأجنبية، وما يستتبعه شحنها إلى لبنان من مخاطر خلال الحرب العالمية الثانية.

استعان البنك بريمون سوريانو، وهو فنان من أصول إسبانية ولد في القاهرة وكان مقيماً حينها في لبنان من أجل وضع التصاميم الضرورية لفئة الخمس ليرات الجديدة. وبعد سلسلة من المراسلات بين الفنان المذكور وإدارة البنك، وهي مراسلات تم اكتشافها أخيراً وبيعت في مزاد عالمي، تم تكليف سوريانو رسمياً بهذه المهمة في 7 آب (أغسطس) 1942 كي يبدأ بالعمل لقاء بدل نقدي يساوي 1350 ليرة، على أن يسلّم التصميم النهائي بحيت تتمكن المطبعة من مباشرة الطباعة في 11 آب 1942. وقد تم تكليف المطبعة الكاثوليكية في بيروت، التي أصبحت وقتها من أحدث المطابع في المنطقة لجهة التقنيات الفنية المستخدمة، بهذه المهمة الصعبة كون لبنان لم يقم في السابق بطباعة أوراقه النقدية التي كانت تستورد إما من بريطانيا أو من فرنسا. وبما أن النص الذي يجب أن يظهر باللغة العربية على وجه الورقة النقدية يحتاج إلى مهارة شخص محترف، لجأ سوريانو إلى الخطّاط البيروتي الشهير كامل البابا من أجل تصميم الخط العربي المناسب لقاء بدل مادي قدره عشر ليرات.
وقد وضع «بنك سوريا ولبنان» هذه الورقة في التداول بعد الانتهاء من طبعها في نهاية كانون الأول (ديسمبر) 1942، وظلت في التداول حتى شباط (فبراير) 1949 عندما أعلن البنك سحبها من التداول. وتُعتبر هذه الورقة النقدية من أندر العملات اللبنانية على الإطلاق، وهي حتى اليوم تبقى الورقة النقدية الوحيدة التي طُبعت في لبنان.

* أستاذ جامعي

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا