تحويل أي قصّة/ رواية متسلسلة إلى فيلم أو مسلسل، هو حلم يراود عشّاق هذه السلسلة. لذلك لم يكن غريباً أن يشعر عشاق سلسلة روايات «ما وراء الطبيعة» لمؤلّفها الكاتب المصري الراحل أحمد خالد توفيق بالكثير من الفرح والنشوة بعد صدور تلك الرواية على شكل مسلسل تلفزيوني من إنتاج محمد حفظي و«نتفليكس». يتكون مسلسل الرعب العربي «ما وراء الطبيعة» من ست حلقات أخرجها عمرو سلامة (وساعده في إخراج بعض الحلقات ماجد الأنصاري) وعدّلته درامياً وألفت معظم أحداثه الجديدة ورشة كتابة مكونة من عمرو سلامة ودينا ماهر ومحمود عزّت وعمر خالد. سلامة الذي عرفه الجمهور من خلال أفلامه «زي النهارده» (2008) و«صنع في مصر» (2014) و«الشيخ جاكسون» (2017)، حاول تقديم تجربة مختلفة عن معتاد الدراما المصرية، خصوصاً أنه يخوض غمار عالم جديد نسبياً، هو عالم الرعب الذي فشلت السينما المصرية في تقديمه سابقاً (ما عدا فيلم «الإنس والجن» للمخرج محمد راضي). وقد نجح سلامة في هذه التجربة وإن شابها بعض العثرات. ما نجح فيه بداية هو اختياره فريق التمثيل. برع الممثل المصري أحمد أمين في تقديم شخصية د. رفعت إسماعيل طبيب أمراض الدم، وهو الشخصية الرئيسية في «ما وراء الطبيعة». يقدم رفعت إسماعيل شخصية «معاكسة للبطولة» Anti-hero. هو لا يهرع خلف البطولة، ولا يحاول إنقاذ أحد. شخصية عدمية في بعض الأحيان، ساخرة في معظمها. يحاول قدر الإمكان الابتعاد عن الخوارق والظروف التي تسببها، لكنها تظل تلاحقه منذ طفولته: لذلك هو شخصية «معاكسة للبطولة» لكن قدرها هو الذي يجبرها على أن تكون في قلب مسار الأحداث. من هنا كان البحث عن شخصية تؤدي دوراً بهذا التعقيد بالغ الصعوبة. لكن أحمد أمين القادم من مجال الكوميديا و«الستاند آب كوميدي»، نجح في دوره الدرامي/التراجيدي الأوّل. سلوكه وتصرفاته، وانفعالاته الجسدية، وشكله الخارجي، كانت مشابهة تماماً لما يمكن أن يكون عليه رفعت إسماعيل. كذلك الأمر بالنسبة إلى الممثلة اللبنانية رزان جمال التي عرفها الجمهور من خلال دورها في مسلسل «كارلوس» للمخرج أوليفييه أساياس. إذ أنّ أداءها شخصية ماجي ماكيلوب هو الأفضل في «ما وراء الطبيعة». لعبت جمال بدورها الشخصية الأنثوية الأبرز في المسلسل، وحبيبة د. رفعت. ورغم أنّها لم تظهر كثيراً في الروايات الأصلية، إلا أنّها كانت «رئيسية» في هذا العمل. أدت جمّال بطريقة متميزة خصوصاً عبر استخدامها لكنة أهل اسكتلندا في الكلام حين تستعمل اللغة الإنكليزية. نقطة تُحسب لها ولفريق العمل، فضلاً عن إصرارها على أن تبقى «بريطانية» في معظم تصرفاتها: باردة، بلا مشاعر في كثيرٍ من المشاهد، وهذا أيضاً نقطة قوة في المسلسل. إخراجياً بذل سلامة جهداً كبيراً في تقديم عمل رعب عربي جيد، ساعده في ذلك نصّ أصلي شديد التماسك والجمال، وشخصية «رئيسية» مسبوكة ومؤدّون ممتازون وميزانية مرنة، مكّنته من التصوير في أماكن عدّة. هنا نأتي إلى التفاصيل التي أرهقت العمل وأتعبته. بداية كان هناك عدم «إخلاص» للنصوص الأصلية لـ «العراب» وهو اللقب الذي كان يُطلق تحبباً على كاتب السلسلة أحمد خالد توفيق. إذ إن هناك اختلافات كبيرة وكثيرة بين المسلسل والقصة/ السلسلة: بداية عبر دور «ماجي» الذي يُعتبر ثانوياً في القصة الأصلية، فيما هو رئيسي في المسلسل. كذلك، هناك قصّة النداهة (وهي الحلقة الرابعة من المسلسل والقصة الثانية من سلسلة «ما وراء الطبيعة») حيث تنده «النداهة» وهي أسطورة محلية مصرية للشخص حتى يقتل نفسه أو يختفي.
أحمد أمين القادم من مجال الكوميديا و«الستاند آب كوميدي»، نجح في دوره الدرامي/ التراجيدي الأوّل

ما حدث في المسلسل، هو أنَّ «شيراز» وهي «شبح» صادقه رفعت إسماعيل في طفولته، اعتقد أنه خلف النده، ليتضح الأمر أنَّ هناك مشعوذاً محلياً قتل ابنته، وهو من يلعب على القصّة. أما في الرواية الأصلية، فالسبب وراء «النده» هو طبيبٌ وزوجته بغرض خلق «جندي خارق» أو «سوبرمان» عبر استخدام مواد مخدّرة وتحفيز بصري بتنويم مغناطيسي. كذلك نجد في أسطورة «حارس الكهف»، وحشاً يشبه الغوريلا وهو شيءٌ غير موجود في القصّة الأصلية، لأن الغوريلات وإن كانت تسكن أفريقيا، ولكن ليس صحارى ليبيا، فذلك غير ممكن علمياً، وهو أمرٌ كانت تراعيه السلسلة بشكل دقيق. هذه الفكرة تحديداً هي ما جعلت السلسلة إحدى أهم السلاسل القصصية، إذ إن فيها الكثير من المعلومات العلمية الحقيقية، كون الكاتب طبيباً ممارساً درّس في إحدى كليات الطب العاملة. نقطة أخرى تتعلق بالتقنيات التي استُخدمت في العمل، فنجد أنَّ «الغرافيكس المولدة عبر الكومبيوتر» (CGI) كانت أضعف من المطلوب، فبدت سخيفة في حلقة «حارس الكهف» (الحلقة الثالثة) و«الجاثوم» (الحلقة الخامسة) مثلاً، خصوصاً أن المشاهد العربي بات يعرف ويدرك تماماً ماذا تعنيه كلمة CGI.
رغم العيوب التي أشرنا إليها، إلّا أنّ المسلسل حقق نسبة مشاهدة عالية في العالم العربي، فضلاً عن دخوله قائمة أفضل 250 مسلسلاً على نتفليكس. لعل ذلك عائد إلى رغبة المشاهدين بوجود سلاسل عربية «أصلية» تمتلك شيئاً من جماليات المسلسلات الغربية المسبوكة بعناية.

* «ما وراء الطبيعة» على نتفليكس

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا