تونس | منذ انطلاق عرضه في الصالات التونسية قبل أيام، يحظى فيلم «شلاط تونس» (2013 ــ 89 دقيقة) بإقبال افتقدته السينما التونسية منذ أكثر من عام بعد عرض فيلم النوري بوزيد «ما نموتش». هذا العمل هو الشريط الأول الطويل لكوثر بن هنية (1977) التي تعبر أحد أبرز الوجوه الشابة في الفن السابع في تونس. اختارت السينمائية التونسية أن تجمع بين الوثائقي والروائي في هذا الشريط الذي انطلقت فيه من حكاية حقيقية شغلت الشارع التونسي في صيف عام 2003. يومها، أعلن الأمن عن وجود شاب يتنقّل على دراجة نارية ويشرط بآلة حادة أرداف النساء، وكل امرأة يعتبرها «غير محتشمة». شغل هذا المجرم آنذاك كل الأجهزة الأمنية وصولاً إلى رئيس الدولة الذي طلب من وزارة الداخلية تكثيف جهودها للقبض عليه سريعاً!
رسالة الشريط
أنّ الحرية ليست
قانوناً فحسب
تنطلق الحكايات لترسم شخصية هذا المجرم. يتنامى الخوف في قلوب النساء والفتيات خوفاً من أن يكن موضوعاً للاعتداء. تنطلق الكاميرا في رحلة بحث عن «الشلاّط»، تلك الشخصية الغامضة والمجهولة. نغوص في واقع الأحياء الشعبية الذي يتكدّس فيها السكان من دون توافر الحد الأدنى من البنية الأساسية والحياة الكريمة. نتابع الرحلة بين حي الزهور الشعبي (غرب العاصمة)، والسجن المدني في مرناق. اختارت المخرجة أن تكون الحكاية في سياق بحث استقصائي عن «الشلاط» (الممثل) جلال الدريدي، ووالدته (مفيدة الدريدي)، وخطيبته (ناريمان سعيدان).
من خلال هذه الحكاية الحقيقية، تنفذ كوثر بن هنية لتفكيك بنية التفكير الجماعي في المرأة، لنكتشف أنّ أكثر من ستين عاماً من صدور «مجلة الأحوال الشخصية» (قانون الأحوال الشخصية)، ومنع تعدد الزوجات، وإلزامية تعليم المرأة، لم تكن كافية للقضاء على نزعة العنف ضد المرأة التي يرمز إليها بالاعتداء بمدية حادة على مؤخرتها في إهانة رمزية ومادية لها، وهي العملية المعروفة في اللهجة التونسية بـ «التشيلط». تقدم بن هنية في شريطها شهادة إحدى ضحايا «الشلاط» وكذلك آراء بعض المتشددين الدينيين الذين يبررون «تشيلط النساء» بسفورهن!
وتقول كوثر بن هنية عن شريطها: «انطلقت فكرة الفيلم من حادثة وقعت عام 2003 في تونس، وعُرفت يومها باسم «شلاط تونس». هو شاب مجهول الهوية أُطلق عليه هذا الاسم لتجواله في الشوارع على متن دراجة نارية، وجرحه مؤخرات النساء بآلة حادة. وإذا كانت حكاية هذا الشاب مثيرة للاهتمام، فإن الأهم يكمن في الشائعات التي حيكت حولها والخيال الجماعي الجامح الذي أضفى عليها طابعاً خرافياً حتى أضحت هذه الشخصية المجهولة جزءاً من الخيال الشعبي المعاصر عندنا».
اعتمدت كوثر في شريطها على الكوميديا السوداء لتكشف عن المسكوت عنه في بنية التفكير التونسي تجاه المرأة، ليسقط القناع الذي اختفى وراءه الرجل التونسي باسم «الحداثة» وحقوق المرأة. نسمع في الفيلم شباناً يشيدون بـ «الشلاط» ويعتبرونه بطلاً. كما اخترع صاحب محل عمومي للإنترنت لعبة موضوعها بأنّ الذي يجرح أكبر عدد من الفتيات السافرات، يربح في حين يخسر لو «يشلط» فتاة محجبة!
جلال الدريدي الذي يتقمص شخصية «الشلاط» الذي يغادر السجن بعد الاعتداء على احدى عشرة فتاة، يتحول من مريض نفسي ومجرم حسب القانون والتحليل النفسي الى بطل لدى فئات من التونسيين ما زالوا يختزنون عنفاً ضد المرأة في لاوعيهم. لم تستطع محو هذه الترسّبات ستون عاماً من صدور مجلة الأحوال الشخصية، التي حققت المرأة التونسية بفضلها مكاسب غير مسبوقة في العالمين العربي والإسلامي وحتى في بعض الدول الأوروبية من بينها عدم تجريم الإجهاض.
الرسالة التي يحملها الشريط هي أنّ الحرية ليست قانوناً فقط بل بنية تفكير ما زال يرى في المرأة وليمةً جنسيةً مثيرةً وعورةً يجب أن تستر نفسها. المشرط الذي استعمله الشلاط في جرح النساء عقاباً لهن على جمالهن أو سفورهن استعملته كوثر بن هنية لتشريح بنية التفكير التونسي تجاه المرأة، خصوصاً بعد الثورة التي أطاحت ببن علي وكانت المرأة أولى ضحاياها. إذ تكررت الاعتداءات على النساء من المتشددين الدينيين في أكثر من مكان ومناسبة، كما يتعرض الأطفال من الإناث خصوصاً لاعتداءات مادية ورمزية من بينها منعهن من الاختلاط وإجبارهنّ على ارتداء الحجاب وأحياناً النقاب.




سيرة

تعدّ كوثر بن هنية (1977) أحد أبرز الوجوه الشابة في الفن السابع في تونس. إنّها مخرجة وكاتبة سيناريو (مواليد سيدي بوزيد) تعيش حالياً في باريس بعدما درست السينما في تونس وأكملتها في فرنسا. أخرجت فيلمين قصيرين هما «أنا وأختي والشيء» (2006)، و«يد اللوح» (2013) حظيا بحفاوة نقدية في المهرجانات. وفي عام 2010، أخرجت شريطاً وثائقياً (75 دقيقة) بعنوان «الأئمة يذهبون إلى المدرسة» شارك في مهرجانات عدة من دبي إلى فانكوفر.