في 27 و28 تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي، كان من المقرّر أن تحتضن دار «سوذبيز» في لندن مزادَيْن «مهمَّيْن» يضمّان «كنوزاً نادرة من الشرق الأوسط» من مجموعة متحف «أل آيه ماير للفن الإسلامي في القدس (المحتلة)»، غير أنّ الحدث الذي وُصف بـ «الأكبر من نوعه خلال العقد الحالي»، أرجئ حتى شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي، من دون تحديد موعد معيّن وفق ما يُظهر موقع «سوذبيز» الإلكتروني الرسمي. السبب الظاهر بحسب البيان الصادر عن المتحف وما تناقلته وسائل إعلام عبرية وغربية، هو «الجدل» الذي أثير في الكيان الصهيوني حول «أهمية القطع المعنوية التي تفوق قيمتها المادية». فقد كان يُفترض بيع 190 قطعة فنية إسلامية و68 ساعة نادرة، على أن يشمل المزاد الأوّل مخطوطات مزخرفة وصفحات قرآنية قديمة ومنسوجات عثمانية وقطع سيراميك وأعمالاً معدنية تعود إلى الفترة الممتدة بين القرنَيْن السابع والتاسع عشر، فيما يتكوّن الثاني من ساعات نادرة، بما في ذلك ثلاث قطع تحمل توقيع مخترع الساعات الرائد في القرن الثامن عشر، السويسري ــ الفرنسي أبراهام لويس بريغيه (1743 ــ 1823). علماً بأنّه من بين المعروضات مخطوطة «القرآن الأزرق» العائدة إلى القرن التاسع، وتشتهر بتكوينها الفاخر من الرق المصبوغ باللون الأزرق الداكن وأوراق الذهب، ما يجعلها واحدة من أكثر المصاحف «ثراءً على الإطلاق». هذا إلى جانب خوذة من القرن الخامس عشر مُصمّمة للارتداء فوق عمامة، وعاء من القرن الثاني عشر يصوّر أميراً فارسياً، وأعمالاً معدنية مُطعّمة بالفضّة، وأذرع ودروع إسلامية.الهدف الأساسي من هذا الحدث الذي يتم التخطيط له منذ عامين هو «تأمين برامج المتحف التعليمية والمستقبلية طويلة المدى وتلك المتعلّقة بالتوعية المجتمعية»، في ظل «قلة التمويل والدعم الحكوميَيْن»، على حدّ التعبير الوارد في بيان المتحف الذي يديره الفلسطيني نديم شيبان منذ عام 2014.
المزادان اللذان لم يثيرا حفيظة العرب الذين يتباهى كثيرون منهم اليوم بتطبيع علاقتهم مع الصهاينة فيما يهرول آخرون في هذا الاتجاه، يبدو أنّهما أغضبا جهات رسمية وشخصيات عامة وفاعلين في المشهد الثقافي في الكيان المحتل. فهؤلاء، يظهرون حالياً بهيئة الحريصين على التاريخ والإرث الإسلاميَيْن الذين استولوا عليه ويواصلون سرقته منذ عقود.

إحدى الساعات من تصميم أبراهام لويس بريغيه


خوذة من القرن الخامس عشر مُصمّمة للارتداء فوق عمامة

على سبيل المثال، قال القيّم على الفوتوغرافيا في «متحف تل أبيب للفنون» ونائب رئيس Icom Israel، راز سميرة، إنّ القطع «مميزة وفريدة من نوعها»، مستنكراً أن «تختفي الآن من المشهد العام وتنتقل إلى ملكية خاصة». من ناحيتها، كانت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية قد ذكرت أنّ وزارة ثقافة العدو طلبت من متحف «أل آيه ماير للفن الإسلامي في القدس» الذي تأسس في عام 1974، الكشف عن وثائق حول ملكية القطع المنوي بيعها، في محاولة منها لوقف العملية. وبحسب التقرير، فإنّ المتحف الذي زعم أن هدفه هو «تشجيع التعايش السلمي بين اليهود والعرب من خلال تقدير فن الشرق الأوسط» لم يقدّم هذه المستندات حتى كتابة هذه السطور، بحجّة أنّ «المؤسسة هي التي قرّرت البيع وهي التي وقّعت العقد مع «سوذبيز»...».
إصرار المتحف الإسرائيلي على المضي قدماً بالمزادَيْن المنتظرَيْن ينبع من أمل في جني ملايين الدولارات في محاولة لإنقاذ نفسه خصوصاً من تداعيات جائحة كورونا التي تجبره حالياً على إغلاق أبوابه. كيف لا؟ ونحن نعيش في وقت يشهد فيه العالم تنافساً خليجياً محموماً على القطع الفنية التي تُعرض في المزادات العالمية، لا سيّما تلك التي تضم أعمالاً إسلامية. في هذا السياق، يشدّد مراقبون ومتخصّصون في هذا الشأن على أنّ الترويج المتزايد لهذا النوع من الأحداث الفنية عبر الإعلام العربي والأجنبي بالاستعانة بخبراء أجانب، تُرجم في الأسواق العالمية «كباشاً حاداً» بين السعودية والإمارات من جهة، وقطر من جهة أخرى. شدّ حبال، أدّى إلى صرف مئات الملايين من الدولارات خلال العقد الماضي.
يأمل المنظمون جمع ما يقرب من تسعة ملايين دولار


ومَن مِنّا لا يذكر مهزلة استحواذ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على لوحة «مخلّص العالم» الشهيرة لليوناردو دافنشي لقاء 450 مليون دولار أميركي بعدما كان يفاوض عليها القطريون. غير أنّ المضحك في الأمر أنّ تقارير علمية لأربعة خبراء من «جامعة أوكسفورد» البريطانية أكدت، قبل فترة، أنّ العمل الفني لا يعود في الواقع للفنان الإيطالي الشهير، ما دفع بالسعوديين إلى إعادتها لدار مزادات «كريستيز» التي تواصلت مع البائع، وهو مليونير روسي، الذي رفض استعادتها، فيما لا تزال المسألة عالقة حتى الآن.
وفيما تتجه الأنظار حالياً إلى موعد إقامة المزادَيْن، وإذا ما كان هذا سيحدث أصلاً، يبقى الأكيد أنّه في ظل موجة «السلام» التي تضرب منطقتنا، سيكون الفن والثقافة من القطاعات الأساسية التي سيسلب الكيان المحتل أموال العرب، وفي مقدّمتهم الخليجيون طبعاً، من خلالها!

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا