ديوان «الزهايمر» (دار نلسن) هو كتاب خاص في تجربة هنادي زرقه. العنوان ذاته مباغت وربما مستغربٌ أن يكون عنواناً لمجموعة شعرية هي الرابعة للشاعرة السورية، التي بدأت بباكورة «على غفلة من يديك» (2001)، ونالت مجموعتها الثانية «إعادة الفوضى إلى مكانها» (2004) جائزة محمد الماغوط الأولى للشعراء الشباب، بينما حصلت مجموعتها الثالثة «زائد عن حاجتي» على جائزة «دمشق عاصمة ثقافية» سنة 2008. لسنا في حديث الجوائز بالطبع، ولكنها كانت إشاراتٍ إضافية إلى كتابة شعرية جدية وذكية ساهمت – مع أسماء موهوبة أخرى – في صنع جانب من الحياة الشعرية السورية في الألفية الجديدة. خصوصية الديوان الجديد أن أغلب النصوص فيه تترجم حالة واقعية عن الوحدة الهائلة التي يمكن أن تنبعث من العلاقة بين ابنة وحيدة وأم مصابة بالزهايمر. الوحدة هنا هي تأويلاتٌ متواصلة لرجاءات وآلام وذكريات وانكسارات وصراعات نفسية مريرة، بينما الشعر نفسه يتعرّض باستمرار لاختبار أن يُكتب بشروطه، وأن يستجيب في الوقت نفسه لضغط الحالة المعاشة. هناك خطرٌ ما على الشعر، ولكن القارئ مدعوٌّ إلى قراءته مع أسباب كتابته. كأن القصيدة محكومة بأحمال إضافية من المعنى الواقعي الذي ينبغي أن يتجاور ويتداخل مع المعاني والاستعارات المتخيّلة.

قد يصنع الخطر تفاوتاً ما في جودة القصائد، ولكنه يضع الشاعرة نفسها أمام معطيات حقيقية وملموسة، ويصنع نديّة محبَّبة في الكتابة.
الخطر يكمن في استطراد الشاعرة أحياناً في التقاط تفاصيل يومية تحدث بين الأم والابنة. هناك نوع من الاستسلام لما يفرضه غرق الأم في نسيانها من وقائع وصور تستحق (أو لا تستحق) أن تُستدرج إلى الكتابة.
أغلب
نصوص الديوان
تترجم حالة
واقعية
الاستسلام فيه نوع من التسوية التي ربما لا تصل إلى القارئ المتطلّب الذي ستعجبه بعض القصائد والمقاطع على حساب قصائد ومقاطع أخرى، ولكن في الحالتين سيصعب عليه تجاهل تلك التفاصيل الجارحة، وأنواع سوء الفهم الذي لا يمكن شرحه للأم، حيث على الشاعرة/ الابنة أن تؤرشف وحدها ما يحدث: «سترون امرأة بثيابٍ نظيفة/ لن تلمحوا الفطر بين أصابع قدميها/ وقد التهم أحلامي/ ستنفرون من رائحة فمها قليلاً/ وتكتفون بقبلة على الرأس/ وتنصحوني بإطعامها جيداً/ سأهزّ رأسي موافقة/ وأكمل قصّ أظافرها بهدوء/ كأنني لم أرَ أحداً غير ضباب ينذر ببكاء غزير/ سأكتفي بشتم آلام الظهر/ وأسند رأسي إلى ركبتيها المتورمتين/ وأرجوها أن تكفّ عن مناداتي بأسمائكم». في مقاطع أخرى تعدد الشاعرة تدابير تصلح للحياة وحيدة بعد رحيل الأم. تتخيل ضياعات أمها على شكل «لعبة غمّيضة»، ولكنّ لعبةً أكبر وأكثر إيلاماً تدور بين شخصين عالقين في النهاية. في قصيدة «ليس للخادمة أن تستريح»، نقرأ صورة شاملة وقاسية عن ذلك: «حين التقطوا صورة جماعية/ كنتُ غائبة/ أمي تحضن إخوتي الخمسة/ ربما لم أكن قد ولدتُ/ كلٌ منهم يحمل الصورة في حقيبته ويرحل/ فيما بعد/ بدأوا يحضرون صورهم الكبيرة/ يعلّقونها على جدران المنزل/ يجتمعون في الأعياد أزواجاً وأبناء/ أخرجُ من الصورة كالعادة/ لا أنتمي إلى المشهد/ أحضّر الطعام/ أغسل الصحون/ وأنتبذُ مكاناً قصيّاً/ لا أحد يسأل ماذا تريدين/ بم تحلمين/ هل للخادمة أن تحلم!؟/ كنتُ غائبة عن الصورة/ انفضّ الجميع عن أمي/ وبقيتُ معها».


يمكنكم متابعة حسين بن حمزة عبر تويتر | @hbinhamza