خلال «آرت دبي ٢٠١٤»، جرى تقديم أعمال الفنانين الخمسة الذين فازوا بجائزة «مجموعة أبراج الفنية» لهذه السنة وهم: أنوب ماثيو توماس (الهند)، باسم مجدي (مصر، الصورة)، بشرى خليلي (المغرب)، عباس أخافان (إيران)، كامروز آرام (إيران). من بين هذه الأعمال، تميّز الإيراني أخافان الذي قدم منحوتات برونزية لنباتات تنقرض من العراق بسبب الحروب.
أما العمل الذي استوقفنا فهو فيديو The Dent للفنان المصري باسم مجدي (١٩٧٧). اختير مجدي أيضاً ضمن المجموعة القصيرة لجائزة «بينشوك» (كييف) عام ٢٠١٢. يعمل هذا الفنان في وسائط متعددة من صورة، وفيديو، وتجهيز ورسم. وشارك في عدد كبير من المعارض الفردية والجماعية حول العالم، أما الفيديو المقدم ضمن جائزة «مجموعة أبراج» فهو الثامن لمجدي.
منذ ثلاث سنوات، كان باسم يشارك في إقامة فنيّة في كيبيك (كندا)، فأثارت فضوله تجويفة في حلبة كان يمرّ بجانبها كل يوم. وعندما سأل المقيمين في المنطقة عن سرّ تلك التجويفة، جاءه الجواب بأن فيلاً من السيرك نطح الحلبة، فأوجد تلك التجويفة. من هنا، بدأت رحلة مجدي مع فيلمه The Dent ومعها بدأت رحلة التصوير. لكن مجدي توقف فترة عن العمل على المشروع إلى أن وصله خبر حصوله على جائزة «أبراج» التي مكنته من استئناف العمل وتحقيق أحد أطول وأعقد وأبلغ أفلامه حتى اليوم.
«التجويفة» فيديو عن فيلٍ نطح حلبة، أو لا! إنّه عن فيل قرر سيّده أن يدهنه بالأبيض والأسود ليتحول إلى فيل/ حمار بريّ. إنه فيديو صوِّر في باريس، ونيويورك، وبروكسيل، وكيبيك، وبراغ والبندقية... أو لا إنه فيديو عن مدينة مجهولة تحلم بالشهرة العالمية، وباستقبال الألعاب الأولمبية، وببناء مدينة عظيمة مثل باريس ونيويوك، لكنها فشلت وقررت أن تتعايش مع الهزيمة. «التجويفة» فيديو عن قصة سريالية لم تحدث، أو لا إنه فيديو عن قصص الهزائم والأمل (أو اليأس) التي تحدث كل يوم وفي كل مكان.
مشاهد التقطتها باسم مجدي بكاميرا ١٦ ملم، ثم أعاد تحميضها مضيفاً إلى بعضها سوائل مختلفة مثل الخلّ لينتج صورة بألوان خاصة وغريبة. تلك التقنية التي طورها خلال أعماله السابقة، من حيث اعتماد الأفلام وطريقته في التصوير، والتحميض، يحاول فيها استنفاد نوعية صورة تعتبر حالياً في طور الانقراض، إذ ستختفي قريباً مع احتكار الصورة الرقمية سوق الإنتاج. ذلك الخيار الفنيّ ليس نابعاً من إكزوتيكية الصورة الفيلمية القديمة، بل إن اختفاء الأفلام يحاكي اختفاء المدن التي يتكلم عنها مجدي في أفلامه، راوياً هزيمتها. أما تحميضها في سوائل مختلفة، فيزيل من الصورة بعض التفاصيل ويظهر بعضها الآخر، ما يسهم في محو الهوية المحددة للأمكنة التي يلتقطها بكاميرته، فتتحول جميعها إلى مكان واحد بلا هوية، أو بالأحرى يجمع هوية كل المدن في آونة واحدة. يضيف مجدي تلك الروح السريالية إلى فيلمه عبر النصّ وطريقة توليف الصور والشريط الصوتي المرافق. سريالية تنتشلنا من محاولة إسقاط رواية الفيديو على أحداث نشهدها في مدينة معينة وزمان محدد، بل تجمع كل الأحداث والأزمنة في مدينة قررت ألّا تحارب، لأن لا شيء سوف يربح يوماً، بل قرر أهلها أن يخططوا لمستقبلهم كما حفظوا ماضيهم، وأقسموا بأن يعيدوا تمثيل أفعالهم، وقسّموا أجدادهم بين قادة وتابعين وعبيد وشهداء.
في فيديو «التجويفة»، يكتب باسم مجدي قصة الهزيمة المتكررة لمدينة وشعب، قصة هزيمتنا. إنها قصة تمتد من بابل حتى اليوم، مفرداتها عالمية لأنها غير محصورة بزمن ومكان، لكنها تتخد أشكالاً وروايات مختلفة كل يوم. الفيل في فيديو مجدي، مثل حصان طروادة الذي أصبح رمزاً للنصر، لكنه الشاهد على الهزيمة. وهنا يكتب مجدي قصة طروادة، قصة كل المدن التي تعيش الهزيمة أو تعتقد اليوم أنها تعيش الانتصار.


http://www.basimmagdy.com