انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب 2020، الذي حوّل بيروت المحيطة بالمرفأ وما جاورها إلى حطام وركام، والأهم دمار روحي يعجز الفكر السويّ عن استيعاب مدى عبثيّته، فخلال ثوانٍ عقب الانفجار اهتزّت بيروت من أقصاها إلى أقصاها على وقع زلازل متعاقبة، براً وبحراً، حتّى جليل فلسطين وساحل قبرص، نجمة الهلال السوري الخصيب، في تضاريس رمزيّة، وعلى صورة استعارة توراتية جحيمية في بعدها الروحي، ما أقصى عقلانية العقيدة، وقرّب فكر عبثيّة لا يُسبر غور فداحته، من تطاير بشر ودمار ممتلكات في مدينة هانئة تتكئ على مرفأ بحرها اللازوردي، فانقلب عليها دماراً، ما شتّت أهلها وطوّح بذخائرها. هي المدينة التي كلّما تعافتْ عاودَها سقام، فما إن تشفى وتردم ما انهدم من جنباتها، حتى يضربَ ساحاتها ما يسرّع في تناثر سكّانها الوادعين ويحطّم شرفاتهم الوردية ويعبث بحدائقهم حيث ياسمين وفلّ ومنتور، فكأنّ الدهرَ عدوّ بسطها وانشراحها. ولا عجبَ فهي مدينة لا سلاحَ في يدها سوى جدليّة الفكر المرح القائم على رصف الحرفِ في صناعة المعجم المدلّل، ولا خطّ دفاع عندها سوى هذا الجبل المستند إليها على لذّة طعم تفّاحه الذي خلّده أبو الطيّب وأحيا ذكراه أمين نخلة في مفكّرته بفارق ألف عام. فهي الماثلة أبداً إلى التألّق من الريحاني وجبران وسعادة إلى أبي شبكة والعلايلي ويوسف غصوب، فحبلُ الفكر لا ينقطع، سرمديّ أبدي أزلي؛ هي بيروت خيراتها أوسع من محيطها، وثمارها أغلى من الحسبة. أمّا فكرها فأبعد من الأُفق، هي صخرةٌ عُلّقت بالنجم الثاقب، زنبقة الوادي وقارورة الطيب، بنفسجة الطموح، وهي في آن عوسجة ملتهبة ودفتر غزل ونشوء أُمم وغابة كافور ودرب قمر وقطر محيط ومصطلح تأريخ ومنازل عديدة وجبال صوّان وساق على ساق ويقظة عرب ومعنى نكبة ودستور قومي ولعازر 62 وكتاب عبدالله، وملتقى محمود درويش ومرسيل خليفة، بنيان جمال أخّاذ ووقع عود رنّان: بيروت خيمتنا
بيروت نجمتنا
بيروت تفّاحة
والقلب لا يضحك
وحصارنا راحة
في عالم يهلكْ
سنرقّص الساحة
ونزوّج الليلكْ
بيروت للمطلق

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا