الأول تلفيقي يعمل على الدمج بين الرؤية الغربية على مستوى العلوم مع الرؤية الإسلامية، ولكنّه حاول أن يقرب بين المعاني الإسلامية والغربية (طهطاوي، خير الدين التونسي).
الثاني: نهضوي يدعو إلى اجتهاد إسلامي في التربية والتعليم، وهو لا يقطع مع الغرب، لكنّه يدعو إلى تأصيله وأخذ الإنساني العام وتسويغه بالتراث الإسلامي (جمال الدين الأفغاني، محمد عبده).
الثالث تيار علماني ظهر في نهاية القرن التاسع ودعا إلى إدماج التربية بالنظام التربوي الغربي.
وتابع ماجد أن هذا الأمر استمر حتى نهاية الحرب العالمية الثانية ونشوء الدولة الوطنية، حيث ساد التيار العلماني واللاديني، فارتفع العديد من الأصوات التي تنادي بضرورة إدماج البرامج التربوية العربية والإسلامية بالمنظومة التربوية الغربية. ومن أهم هذه الدعوات ما جاء في مقالات سلامة موسى، حيث بلغت جرأته حدّاً يجعله يذهب إلى الهجوم الشديد على كل ما يتصل بالدين. وهو ما أكده طه حسين عند حديثه عن اشتراك العقل المصري والعقل الغربي في التأسيسات، وقد ازدادت قوة هذا التيار، واستمرت حتى عام 1939 حين أخذت تظهر معالم تيار ديني يدعو إلى إعادة النظر في التربية واستلهام الإسلام في بناء المناهج، ولكن هذا التيار بقي ضعيفاً مع بروز التيارات العلمانية والقومية.
وأشار ماجد إلى أنه في نهاية الستينات من القرن الماضي، أخذت التيارات الإسلامية تتقدم وظهرت بعض التنظيرات التي دعت إلى أسلمة العلوم، انطلاقاً من رؤية أنّ الحضارة الغربية لها سياقها الخاص، وهذه التجربة لا يمكن أن تكون صالحة لجميع المجتمعات الإسلامية، وصدرت أعمال سيد حسين نصر والسيد محمد نقيب العطاس واسماعيل الفاروقي، وقد وصلت هذه النزعة إلى ذروتها مع انتصار الثورة الإسلامية حيث أخذت مجموعة من المثقفين تدعو إلى أسلمة العلوم في ما عُرف بإسلامية المعرفة. وتابع ماجد أنه رغم تنظيراته الفكرية، إلا أنّه على المستوى الفكري بقي هذا التيار مشدوداً إلى التجربة الغربية وما قدم في كثير من الأحيان لا يتعدى كونه عملية تقريب، حيث عمل على جعل المنجز في العلوم الإنسانية هي الأصل الذي تبنى على أرضيته الأسلمة، وقد تداخلت السياسة مع العلم في هذا المجال، خاصة أنّ هذا التيار ظهر في وقت الاجتياح السوفياتي لأفغانستان وانتصار الثورة في إيران. وختم ماجد محاضرته بالقول إن الأسلمة في التربية أخذت تشغل مساحة واسعة من النقاش في العالم الإسلامي، وهي كانت محوراً لعدد كبير من المؤتمرات وخلاصة ما توصلت له تلك المؤتمرات تتمثل في الدعوة لتشكيل لجان مؤهّلة من ذوي الكفاءات لإعادة بحث ودراسة مختلف العلوم الإنسانية، ونقدها ومعالجتها في ضوء التصور الإسلامي، مع العناية بالمصطلحات العلمية، واستشعار علماء المسلمين لخطورة الغزو الذي يستهدف النيل من هوية الأمة الإسلامية وإلغاء خصوصيتها، وأن الحاجة ملحة لاستنباط مجموعة جديدة من العلوم الإنسانية التي تتفق مناهجها مع الإسلام لتحلّ محل العلوم الإنسانية الغربية التي تدرس في جامعات البلاد الإسلامية.
وفي ختام اليوم الأول من المؤتمر كانت محاضرة للباحث علي أبو الخير من مصر بعنوان: «المنهج التربوي التعليمي في فكر الإمام الخامنئي/ هوية مستقلة ومقاومة مستمرة» تطرق فيها إلى أن موضوع الهوية المستقلة والمنهج الإسلامي المقاوم في فكر الإمام علي الخامنئي إنما يرتبط بالدور التربوي التعليمي، الذي تنتهجه الجمهورية الإسلامية في إيران، منذ نجاح الثورة الإسلامية عام 1979، فلا يمكن الاعتماد على هوية مستقلة تقوم على دعائم دينية ووطنية، إلا في ظل منهج تربوي تعليمي يقوم على نفس الأسس الثورية الرسالية، كما لا يمكن مقاومة قوى الأعداء إلا بالاعتماد على الأسس التربوية والتعليمية، قبل القدرات السياسية والعسكرية.
الصراع بين النزعتين العلمانية والدينية شهد في حقل التعليم التركي مسارات متذبذبة ربطاً بالتطورات السياسية
بداية الكلمات في اليوم الثاني من أعمال المؤتمر كانت مع الباحث محمد نور الدين من لبنان بعنوان: «التعليم في تركيا بين النزعتين العلمانية والدينية -إطار تاريخي» تحدث فيها عن أن التعليم في تركيا منذ إعلان الجمهورية عام 1923 يقع بين حدي المؤثرات العلمانية، فتداخلت المؤثرات العلمانية بالدينية والمجتمعية والسياسية التي ما برحت تتصارع حيناً، وتتصالح وفق تفاهمات ومصالح حيناً آخر. ورأى أن الصراع بين النزعتين العلمانية والدينية شهد في حقل التعليم مسارات متذبذبة صعوداً أو هبوطاً ربطاً بتطورات المشهد السياسي، ومصالح الأحزاب السياسية في السلطة والمعارضة. بالقول: «رغم كل محاولات تغيير الطابع العلماني للتعليم في تركيا في عهد حزب العدالة والتنمية، ورغم التغيير الحاصل والملموس في التوجهات الجديدة في التعليم في اتجاه أن يكون منفتحاً على النزعة الدينية، لا تزال العلمانية أساس الفلسفة التعليمية في تركيا وفقاً للدستور والقوانين والمناهج، مع محاولات لجعله أقل علمانية وأكثر انفتاحاً على النزعة الدينية». بعد ذلك كانت محاضرة للباحث عادل عبد الستار الجنابي من العراق بعنوان: «التربية والتعليم في الإسلام/دراسة في القواعد والمقاصد الشرعية» تطرّق فيها إلى أن الإسلام جعل من عملية التربية والتعليم رسالة مقدّسة ذات رؤية كلية للإنسان والكون والحياة، رؤية تنبع من العقيدة في ضوء المقاصد الشرعية، وتعمل على تعزيز الانتماء الديني، وإحياء الفكر والثقافة الإسلامية، مع كون التعليم السلاح الأكثر فاعلية في مواجهة قوى الاستكبار والظلم والجور والفساد. ورأى الجنابي أنّ عملية التربية والتعليم مع كل ما لها من أهمية في العالم المعاصر، ومن منظور إسلامي بشكل خاص، إلا أنها تواجه أزمة كبيرة على مستوى الممارسة تتمثل في غياب فلسفة تربوية إسلامية واضحة المعالم والأسس. وختام أعمال المؤتمر لليوم الثاني كان مع الباحثة دلال عباس بمحاضرة تحت عنوان: «التربيّة والتعليم في ضوء نصوص القرآن والحديث» تناولت فيها عمليّة التربية والتعليم في الإسلام بصفتها عمليّة مستمرّة وتقع على عاتق الأهل والمعلمين والعلماء والمصلحين أنفسَهم وغيرَهم. وقالت دلال عباس: «إنّ الهدف النهائيّ للتربية هو خلق مواطنين صالحين وأشخاص أسوياء، ولأجل ذلك يجب اعتماد كلّ طريقةٍ أو وسيلةٍ تجعل الطفل إنساناً قادراً على التمييز بين الخير والشرِّ؛ وذلك بأن لا نلجأ إلى عقابه على أعمال لا يعرف نتائجها، أو أن ندخله مدرسة أو حضانةً تكون سجناً له (...). إنّ الطفل المحبوبَ غيرَ المعنّف لا يكذب، وإن نحن ربّينا طفلاً لا يكذب، نكون قد صنعنا رجلاً أو امرأةً مثاليّين، لأنّ الكذب هو أساس كلّ رذيلة».