شديدة، كثيفة، متعبة، غير مريحة، مجزأة وعدمية. هذه هي حقيقة أفلام المخرجة الإسكوتلندية لين رامسي. تبحث دائماً عن الماضي. تُعيد فحصه. تظهره على أنه لحظات فاشلة. تجرّه إلى الحاضر. وتدعه يعبث بالمستقبل. في فيلمها «لم تكن حقاً هنا أبداً» (2017) الذي طُرح أخيراً على نتفليكس، تعيد روح أفلامها السابقة وتركّز على التخبط الشخصي والتحوّل إلى شخصية مدمَّرة، لكن لا تُقهر. ثم تقدم مقاربة إنسانية فجة؛ تضع ضحية يجب إنقاذها أمام وحش يصارع نفسه. مهمته مستحيلة. إنقاذ الضحية ونفسه محكوم عليه بالفشل في عالم يشبه كثيراً عالم ألبير كامو «أسطورة سيزيف». تُظهر اللقطات الأولى من الفيلم؛ صوراً بصرية مجمّعة ومفكّكة، تكشف عن وجه الوحش جو (واكين فينيكس) ملفوفاً في كيس بلاستيكي حتى تتلاشى أنفاسه من الاختناق ويتنفّس في الثانية الأخيرة. هل هي محاولة انتحار فاشلة؟ أم طقوس الشعور بالحياة؟ المشهد الثاني غامض بنفس القدر. يبدو أن جو قاتل متسلسل. القرائن الكاذبة والإرباك هي سمة مميزة في أفلام رامسي. لا تقدّم في أفلامها سياقاً بسيطاً. لا سياق بالفعل، بل سرد وطريق غير خطي. تتداخل اللحظات الزمنية كمرآة للحالة العقلية والمجزأة والمنتشرة لأبطالها.
تعيد روح أفلامها السابقة وتركّز على التخبط الشخصي

من خلال التوازن بين الهلوسة التي تشبه الحلم والماضي المعذب المشوش والمرير؛ يعيش جو حياته الآن كقاتل مأجور مع والدته المسنة. مع سمعته كوحش بشري؛ سيشرع في عملية إنقاذ طفلة عمرها 13 عاماً لم تعد إلى المنزل. وسط خيوط نصف واضحة ورغبة يائسة في التخلص من العبء الثقيل للجحيم الشخصي؛ فإن هبوط جو المحموم في أعماق النار أمر لا مفر منه. كل خطوة يقوم بها للهروب من الألم، تقرّبه من أهوال الجنون. في النهاية؛ ما هو الحقيقي وما هو الحلم؟ هل يمكن أن يكون هناك فصل جديد في حياة جو إذا استمر في الجري في دوائر؟
في هذا النوع من القصص، عادة ما يتم تقديم التروما الشخصية بسرعة ووضوح أو في بعض الأحيان تتمّ روايتها بالتوازي مع تنفيذ الانتقام؛ ولكن في فيلم رامسي ليس كل شيء واضحاً. منذ البداية، سنكون متشوّقين لمعرفة المزيد، ولكن رامسي تتمسك بالكثير وتكشف القليل عن هذا الرجل الذي يحاول إنقاذ الشابات اللواتي يتعرضنّ للاستغلال الجنسي. تقدّم رامسي شاعرية وحشية في فيلم عنيف وحساس جداً. فيلم لا يظهر الكثير من ذهن شخص منزعج من الماضي والحاضر. من الصعب رؤية العنف بطريقة شاعرية في السينما؛ ولكن في يد ممثل ومخرجة ممتازين، أظهر الفيلم بالفعل أنه قادر على بناء وإنتاج قصة تظهر وجهة نظر الشخصيات من دون الحاجة إلى شرح الكثير. الفيلم لا يجعل المشاهد يفهم، بل يفعل أكثر من ذلك؛ يُلبسه جلد الشخصية فيعيش فيها رغم غموضها.


You Were Never Really Here
على نتفليكس