القاهرة | ربما لا يحتاج العرض المسرحي إلى أكثر من نَص مكتوب، وديكور، وخشبة مسرح، وممثلين، ومخرج كي يبصر النور. وربما لا يحتاج الفنان إلى أكثر من موهبته كي يتأهل ويقف على الركح أمام الجمهور، مقدّماً لذلك العرض المسرحي، بعد أن يوفّر له الإنتاج الحد الأدنى من الإمكانات المطلوبة لولادته. لكن هناك دائماً من ينتظر ذلك المُنتج طويلاً، وقد لا يجده، ويظل جالساً إلى جوار فكرته وموهبته اللتين لا تغادران غرفته الصغيرة. هناك أيضاً من لا ينتظر شيئاً، ولا يمتلك سوى الموهبة والفكرة، وكرسيين، ولا يحتاج إلى أكثر من ذلك ليخرج للجميع تحت اسم «مصر 2 راكب». ذلك العرض أبصر النور حالما قرّر علي قنديل الخروج من قالب الـ«ستاند آب كوميدي» والـ«سيت كوم» قليلاً ليقدم للناس دراما حياتية حقيقية على خشبة المسرح، مقرراً أنه لن ينتظر المنتج ممتطياً فرسه الأبيض ليتيح له ما يريد من إمكانات لتقديم عمله.
قرر قنديل أن يتخيل ديكور العرض ويجعل الجماهير تتخيله معه. قرر أن يشاركه في العرض ممثل واحد وهو وليد أبو المجد، وألا يضطره أي شيء إلى التوقف عن تقديم فكرته المختلفة للناس.
«حين نتحدث عن «مصر 2 راكب»، لن أتكلّم على مشروع «ديودراما» على خشبة مسرح، بل عن وقوف ممثلين أثناء تأديتهما لمشهد ما، ثم توقفهما فجأة عن مجاراة المشهد ليخرج أحدهما منه ويبدأ وصلة الـ«ستاند آب كوميدي»، محدثاً الجمهور خارج الديكور المتخيل والمشهد المرتَجَل إلى حد كبير عن موقف يحدث يومياً له». هكذا تحدث الممثل علي قنديل مؤلف ومخرج وممثل العرض الذي جال فضاءات عدة في مصر، ويحل غداً على «جامعة طنطا» حين بدأ الحديث عن عمله، مؤكداً أن ما يراه الجمهور على الخشبة من أداء لممثلين هو نتاج عمل فريق كبير لا يمتلك إلا الإصرار على النجاح والإرادة لعرض حياة المواطن المصري العادي اليومية بشكل تلقائي ومختلف من خلال سرد «حواديت نراها كلنا، لكنّنا لا نتوقّف عندها. نقدّمها وننتقدها بطريقة كوميدية
راقية».
وبما أن العرض لا يقوم على ديكور، ولا إمكانية تقنية تجعل المتفرج في حالة تعايش وتصديق للموقف إلا أداء الممثل، نجد أنفسنا أمام سؤال عن التقنية التي يعتمد عليها العرض بشكل رئيسي. يجيب قنديل «العرض يعتمد بشكل رئيسي على الإضاءة التي تحدّد للجمهور أين ينظر وتحدّد للممثل إلى أين يتجه.
الإضاءة تتولى هنا دور الديكور والإضاءة معاً. رغم ذلك، أثناء تجوالنا بالعرض في مصر، وتحديداً في مدينة كفر الشيخ مسقط رأسي، واجهنا أزمة كبرى. لم يكن هناك ما يضيء أي ركن من القاعة، بل لم يكن هناك أصلاً ما يضيء للجمهور أماكن جلوسه، بالإضافة إلى الأجهزة القديمة سواء لناحية الصوت أو حتى أزرار التحكم بالأجهزة الخربة». لم يكن من فريق العمل يومها إلا أنّه قرر عدم النوم.

تلعب الإضاءة دوراً رئيسياً في العرض


عكف على إعادة رسم خريطة الدوائر الكهربائية للقاعة وتجديد طرق التحكم بالأجهزة وتطوير المنظومة الكهربائية بأكملها في المكان... عمل استغرق ما يزيد على 12 ساعة متواصلة. بدأت فكرة العرض بسؤال طرحه قنديل على نفسه هو «ألسنا نحن أصحاب حضارة 7000 عام؟ ألسنا مهد الديانات؟ ألسنا نحن من يَصفونه بالشعب الرائد؟ أين نحن الآن من كل ذلك بين الظواهر المجتمعية الفاسدة من تلوث وتحرش ورشوة؟»
وكان رده على السؤال بأنّ مجتمعنا مصاب بمرض، وبداية العلاج هي إقرار بوجوده، مضيفاً «يجب أن نتيقّن من أنّ هناك فساداً أصاب المجتمع. وإلى جوار هذا الفساد، هناك عدد أكبر من الناس ما زال مؤمناً بوطنه، حالماً له ولكن صوت الفاسد أعلى دوماً، فيطغى على الصالح».
العرض ليس له ساحة مخصصة ولا مسرح ثابت على حد تعبير أفراد فريق العمل. هو يلاحق الجمهور أينما كان وفي كل أقاليم مصر، بل يلاحق المصريين خارج حدود الوطن والمغتربين في كل مكان.
الرسالة البسيطة أنه طالما أنّك تشاهد العرض، فلست وحدك من يعاني من تلك المشاكل، ولست وحدك من تصادف تلك المصاعب التي نستطيع كلنا مناقشتها بشكل كوميدي، وحلّها بشكل ساخر ومضحك، أو كما عبّر قنديل قائلاً «فلنحل مشاكلنا ونضحك، أو نضحك ونحل مشاكلنا، أو نحل مشاكلنا أثناء انهماكنا في الضحك».
على المستوى الشخصي، كلّ أفراد العمل (علي قنديل، ووليد أبو المجد، ومدير الفريق محمد رفيق، ومسؤولا التقنيات والإضاءة مازن منيب وأحمد صالح وغيرهم) حقّقوا نجاحاً إنسانياً تجلّى في قدرتهم على إنشاء نظام منضبط جداً لحياتهم والتعامل مع الأزمات بشكل مرن وعملي وحاسم، والأهم من كل ذلك هو قدرتهم على الحلم والاستمرار في محاربة الظروف السيئة لتحقيقه. وقد وصف قنديل تلك المكتسبات بأنها «الأهم في حياته».



«مصر 2 راكب»: 17:00 مساء غد ــ «جامعة طنطا» ــ