مضى وقت طويل منذ أن كان شادي (صالح بكري) آخر مرة في وطنه فلسطين. هو اليوم في الناصرة، عاد من إيطاليا لحضور زفاف أخته في فترة عيد الميلاد. وفقاً للتقاليد التي ترمز إلى التماسك الاجتماعي، لكنها أيضاً يمكن أن تكون رابطاً لا يرحم، يجب على رجال العائلة الذهاب من منزل إلى آخر لتقديم مئات الدعوات للضيوف لحضور الزفاف. أبو شادي (محمد بكري) وشادي يقودان صعوداً ونزولاً في الناصرة للقيام بهذه المهمة. يوم واحد، سيارة واحدة، مدينة واحدة ورجلان، فرصة جيدة لمناقشة خيارات الحياة، ورؤى الوجود، وردود الفعل على الظروف المعيشية تحت الاحتلال الإسرائيلي.يعمل شادي مهندساً في روما، ومرتبط بعلاقة حب مع ابنة ناشط رفيع المستوى في منظمة التحرير الفلسطينية. هذا غير مريح لوالده غير السياسي إلى حدّ ما، الذي يريد من شادي أن يعود ويجد امرأة أخرى للزواج، ويثني باستمرار على مزايا بنات الأعمام ونساء الناصرة عموماً. هنا لدينا جيلان ونظرتان: الشاب الذي شعر بالاختناق في بلده (أدار نادياً سينمائياً، اعتبر الإسرائيليون أفلامه تخريبية)، الذي لا يتسامح مع الأوساخ في الشارع، والتخطيط الحضري، والجهل وقلة الذوق، مستاء من استسلام والده وتقبله للاحتلال. وهناك الأب المخلص للتقاليد، الذي تعلم التعايش مع الاحتلال، عمل طوال حياته لضمان مستقبل للعائلة وبناء هوية واحترام بطريقة لا يفهمها ابنه المتكبّر البعيد عن الواقع. كلاهما على حق وكلاهما على خطأ. لا تؤيّد المخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر أي نظرية، تبقى في الوسط وتعرض وجهتي النظر بموضوعية وتدعنا نقرر. طوال الرحلة، تتسع الفجوة بين الاثنين، يتنافسان على النكات والذكريات. يتبادلان الاتّهامات واللعب على الكلمات. الناصرة من حولهما، لدى سكانها تاريخ مع المدينة، سكان شرعيون يبدون كضيوف. صورة مصغرة عن المسيحيين الفلسطينيين. عالم صغير من التقاليد وفرص قليلة للحركة داخل المدينة، وخوف من المحتل.
قدمت آن ماري جاسر في «واجب» (2019) قصة أب وابن، وفي تفاصيلها حافظت على الحكاية التي تأرجحت بين المأساة والعزلة والكوميديا الخفيفة، بين القيم الأساسية والتقييم السياسي في البلاد، والدراسة الإثنوغرافية والصراع بين الثقافات. بذكاء، قدمت ديناميكيات عائلة معقدة وصراعاً بين جيلين في فلسطين. الأب الذي لم يغادر الناصرة وأُجبر على تنازلات كبيرة لا نهائية لضمان حياة كريمة لعائلته، بينما ذهب شادي إلى إيطاليا وعاد مع الغضب وحب البلاد النموذجي لأولئك الذين اضطروا للفرار من أجل ظروف معيشية أفضل، خاصة أنهم لا ينحنون للظلم السياسي والاجتماعي اليومي. حوارات الاثنين في السيارة كلاسيكية إلى حد ما، لكنه اختيار ذكي وقوي ومحمّس ومتحرك تماماً مع حركة الفيلم، ويحمل الكثير من الدلالات الثقافية ويسهل فهم ديناميكيات الحياة والعلاقات المعقدة. يوضح عمق الفجوة بينهما، واختلال الحياة في مكان مثل فلسطين، حيث كل يوم هناك ادعاء بوجود الحياة في ظل الاحتلال!
صراع قديم من عمر النكبة، قدمته آن ماري جاسر بمهارة وذكاء وبمفاتيح شعبية بسيطة


الصراع كبير؛ قدم الاثنان قناعاتهما ولكن من على حق؟ الذي غادر البلاد ليكون قادراً على الدفاع عن الأرض بحرية أكبر؟ أم الذي قرر البقاء والقتال يوماً بيوم ببساطة من خلال الوجود اليومي ولو أن ثمن بقائه هو تقديم التنازلات وخيانة النفس قليلاً (دعوة الإسرائيليين إلى الزفاف من أجل مكاسب شخصية)؟ صراع قديم من عمر النكبة، قدمته آن ماري جاسر بمهارة وذكاء وبمفاتيح شعبية بسيطة، وتمسكت بهيكل سردي خاص لأسرة صغيرة مفكّكة. حافظت على التوازن في فيلم يمكن للجميع أن يجد مكاناً فيه. «واجب» لديه الكثير ليقوله، هناك الكثير من الجدل، وأحياناً القليل من التواصل.

* «واجب» على نتفليكس