في نهاية فيلم «شواطئ أنييس» (٢٠٠٨)، تعيد أنييس فاردا (1928 ــــ 2019) تذكيرنا بأن السينما هي موطنها، وأنها عاشت هناك دائماً، «لكن لاكتشاف العالم، عليك مغادرة منزلك». لذلك، مشت كثيراً من أجل العالم وموطنها وأفلامها الوثائقية. بعد أربع سنوات من الثورة الكوبية، ذهبت «سيدة السينما الفرنسية» إلى هافانا. «لقد وجدت الكوبيين غير عاديين، اشتراكيتهم مدهشة ومبهجة. عندما أكون في موسكو، أشعر بأنني والسوفييت ننتمي إلى عالمين مختلفين... في كوبا كانت الأمور سهلة، شعرت بالكوبيين ثم فهمت، ثم ضحكت كثيراً، فولكلور ثورتهم، إيقاع الحياة، والدفء. عدت مع ٤٠٠٠ صورة، واستغرق الأمر ستة أشهر لمنتجة ١٥٠٠ منها، لكن تمت مكافأتي: في كوبا، يقولون إنه فيلم كوبي، لديه هذا المذاق».ليس سهلاً التعريف بفيلم «مرحى أيها الكوبيون» (1963) في قوته البصرية والمفاهيمية العظيمة. يتجلّى الفيلم القصير كمنظار أنثوغرافي وسياسي. شكل جديد من أشكال اللغة، من خلال جمع الصور الإنسانية والوثائقية والتجريدية. تخلق على الشاشة أصول الهوية الكوبية وصورة فيديل والحياة اليومية. بعنوان خفيف يعكس روح الفيلم وبصوت فاردا نفسها يشاركها ميشال بيكولي؛ تقدم وثائقياً تعليمياً سياسياً فنياً عن التاريخ، الثقافة، الفنون، السيجار، هافانا، الاقتصاد، الإصلاح الزراعي، مشاريع محو الأمية، أصول الموسيقى الكوبية والرسامين والنحاتين والشعراء والكتاب والمغنين والسينما والرقص. «كان عملاً مبهجاً للغاية، وكنت سعيدة بتركيب الصور منذ أن كان لديّ هذه الموسيقى المنشطة للغاية. كنت أرغب أن يكون تعليمياً وترفيهياً، حتى نتمكّن من معرفة ما يجري في كوبا وما هي هذه الثقافة المزهرة».
الشريط هو تحية أخوية لشعب يتحدّى العملاق الأميرك


كعادة فاردا، هناك دائماً هذه النظرة المتعاطفة والصافية والحادة المصاحبة لنبرة الموسيقى والغناء المعتدلة. لحى الرجال وجمال النساء والأعراق والموسيقى في كل مكان، أدخلت فاردا نشوة الثورة في فيلمها. «أردت أن أعرض، من بين الأشياء الأخرى الأصول الأفريقية والهايتية والفرنسية والكاثوليكية للموسيقى الكوبية. طلبت من ساريتا غوميز (صانعة أفلام كوبية) ومؤلفين شباب الحضور والرقص في شوارع حي شهير للغاية. ارتدت ساريتا الزي العسكري، كانت بكامل أنوثتها. بشكل عام كان هناك مزيج من الإعجاب بفيديل والحرية».
ألبوم الصور الذي تعلّق عليه فاردا وبيكولي بصوت دافئ ومبهج، هو بمثابة تحية أخوية لشعب يتحدّى العملاق الأميركي. مفتونة بهذه النسخة الاستوائية للماركسية، تقدّم فاردا ثورة سينمائية استخدمتها لنقل هذه الهوية التي تتأرجح بين السيجار واللحى وحلوى غزل البنات، من انحناءات أجساد النساء (يصفها بيكولي بـS متحركة) إلى قبعات الرجال. هذه الهوية في سياقات اجتماعية واقتصادية وسياسية. الفيلم انعكاس للمرأة الكوبية التي تحمل «فخرها الأفريقي ونكهتها الإسبانية». صور فاردا تُبرز أمة في تحوّل كامل، تظهر زعيمها وشعبها، والطبيعة والتحضر، لحظات تاريخية وحياة يومية.

* Salut les Cubains على MUBI



جندي بعيون جميلة
عام ١٩٩٤ كتبت فاردا في مجلة «دفاتر السينما» عن كوبا وكاسترو بعد سنوات طويلة من زيارة الجزيرة: «صادف أنني وُصفت بأني مؤيدة للشيوعية. هذا خطأ، أنا لا أؤيد كل ما يُكتب أو يقال (بما في ذلك خطابات فيديل كاسترو الطويلة والغنائية)، ولكنني معجبة بأصحاب المقالات الذين وضعوا أفكارهم موضع التنفيذ، بغضّ النظر عن العواقب التي ترافقهم. يحصل الكوبيون على تعليم ممتاز، وهم متقدّمون جداً في الإلكترونيات والتكنولوجيا والمعلوماتية والطب، لكن الحصار الأميركي ووقف التجارة مع دول الشرق يجعلان كوبا دولة غريبة، ليست متخلّفة ولكنها فقيرة للغاية. تبدو لي الصورة التي رسمتها عن فيديل مجازية تماماً: جندي بعيون جميلة، بدون أسلحة وأجنحة حجرية».