إيمان مرسال تستنطق الأمومة من خلال الصورة

  • 0
  • ض
  • ض

في إطار فعالية «أشغال داخلية 7» التي قدّمتها «أشكال ألوان» أخيراً في بيروت، حلّت الشاعرة المصرية إيمان مرسال (مواليد قرية ميت عدلان في محافظة الدقهلية ـــ 1966) ضيفة على المهرجان لإلقاء محاضرتها عن «الأمومة والفوتوغرافيا». عام 1998، تركت مرسال مصر الى مدينة بوسطن الأميركية بعد سنوات من العمل كمحررة في مجلة «أدب ونقد» القاهرية، ومن بوسطن الى ألبرتا في كندا حيث تعمل حالياً أستاذة مساعدة للأدب العربي ودراسات الشرق الأوسط في «جامعة ألبرتا». بدأ مشروع كتابة مرسال عن محاضرتها «الأمومة والفوتوغرافيا» في محاولتها الكتابة عن تجربتها كأم، وذلك لم يحدث إلا بعدما أصبحت الأمومة أحد أسئلة الهوية بالنسبة إلى مرسال جنباً الى جنب مع أسئلة الكتابة والهجرة وغيرها. في بالداية، وجدت صاحبة «المشي أطول وقت ممكن» صعوبة في التعبير عما تشعر به من إحباط أو توتر أو الإحساس بالذنب داخل تجربتها الشخصية. إنّها أمام أمومتين: أمومة المتن الذي تكوّن عبر الخطابات الدينية والفلسفات والأخلاق والقيم الاجتماعية المقبولة حيث يُنظر الى الأمومة كفطرة إنسانية محمية بشكل طبيعي من الصراعات والتوتر، وأمومة في الهامش قد تجد شظاياها السردية في بعض كتب الطب والنصوص الأدبية وقصص الجرائم الأسرية حيث هناك أصوات متفرقة تحاول التعبير عن المرض النفسي أو الكتابة أو الجريمة، وعن الرعب والتوتر داخل أمومتها.

اعتادت ليدي كليمنتينا هاوردين استخدام بناتها في صور «ايروتيكية»
ما شغل مرسال ليس كيف استقرت ملامح للأمومة محددة داخل المتن العام، لكن كيف ننصت الى ما يخرج عليه ويُعارضهُ. كيف يمكن أن ندرك أن الأمومة الموسومة بالإيثار والتضحية، تنطوي برأي مرسال على الأنانية وعلى شعور عميق بالذنب. تسأل صاحبة «جغرافيا بديلة»: كيف يمكن أن نراها في بعض أوجهها صراع وجود، توتراً بين ذات وآخر، وخبرة اتصال وانفصال تتم في أكثر من عتبة مثل الولادة والفطام والموت. في محاضرتها، لم تطمح مرسال لتقديم دراسة عن الأمومة والفوتوغرافيا، بل في أخذ الفوتوغرافيا وسيطاً لتأمل الأمومة. مدخلها لتأمل الأمومة هو مجاز «الأم المختبئة» حيث كانت أمهات القرن التاسع عشر يتقن فن الاختفاء خلف ستارة بينما يحملن صغارهن أمام العدسة في الاستديو حتى يحصلن على لقطة تذكارية غير مهزوزة للطفل. هذا المجاز وجه تصنيفي لأرشيفات الصور التي بحثت فيها مرسال وقسمتها الى ثلاثة أنواع: الأم غير المرئية في المتن البصري العام، حيث صور الأمهات متشابهة وغير متعارضة مع تصورنا العام عن مثالية الأمومة. ثانياً، الأم الأداة، الأيقونة، أو الأم المؤدلجة، وهي الصورة التي قد تحمل سرداً يزعج فكرتنا المستقرة عن «الأم» أحياناً، مثل عمل المصورة ليدي كليمنتينا هاوردين (1822-1865) التي اعتادت أن تستخدم بناتها المراهقات في صور «ايروتيكية»، أو صورة أم فلسطينية تحمي أطفالها من الجندي الإسرائيلي، وهي صورة أيقونة تفقد أيقونتها بالتكرار كما أن كونها صوراً «خاصة» لا يجعلها تخصنا لأن ما يخصنا يأتي من علاقتنا بصورة أمهاتنا. وتقترح مرسال هنا أن ما يخصنا هو ما يوجه قراءتنا لصور الآخرين، وهي هنا تقدم قراءة لغياب ملامح أمها من صورتهم الوحيدة معاً قبل موت الأم. وتتساءل مرسال كيف تكون الصورة أداة «للتزييف والتحريف» وليس للاستعادة، كما تقترح أن تكون الصورة هي الانعكاس الشخصي الذي أشار إليه رولان بارت وفرّق بينه وبين الافتتان الظاهراتي بالصور. ترى مرسال انك أمام تلك الصورة التي تخصك، لست المصور ولا المتفرج ، لست الطفل في الصورة ولا الأم، انت العلاقة التي تربطكما التي هي غائبة أو مطموسة أو حتى مستبعدة من الصورة. صورتك مع أمك هي دائماً لحظة متورطة في سردك الشخصي عنها، أمك في الصورة هي الشبح أو الطيف، دائماً غائبة، انك تعرف أنها كانت في تلك اللحظة هناك، أمام العدسة، ولكنك تحدق في ما استبعدته الصورة، أو فشلت أنت في استعادته.

0 تعليق

التعليقات