يحاول محمد السناني (1978) أن يكون حديثاً ومعاصراً، ولكن جذوره وتربيته التراثية تغلبانه في أكثر من قصيدة في ديوانه «رماد العزلة» (الكوكب – رياض الريس للكتب والنشر). وهو الرابع له بعد «كالغريب الذي كانه» (2007)، و«صلاة الوطن الغائب» (2012)، و«قصائد الثكنة المظلمة» (2013). العنوان نفسه يسعى إلى الالتحاق بأحدث ما يُكتب من شعرٍ تُمتدحُ فيه عزلة الفرد وتفاصيل الحياة اليومية التي تطحنه بتكرارها، بينما يبدو عنوان ديوانه الثالث قصيدة مكتفية بنفسها تقريباً. إشارات واستهلالات أولية مثل هذه تشجع القارئ على قراءة الديوان بنوع من الحفاوة المسبقة، وباستعداد للتعاطف مع محتوياته أيضاً. استعدادٌ أو رجاءٌ لا يخيب دوماً، ولكنه يحظى بخليطٍ من الطموحات الحديثة والمذاقات الوزنية القديمة. على حافة هذا الخليط، وفي محيطه القريب، تتحرّك قصائد الشاعر العُماني، وهو ما يسمح بتسرّب أصوات ونبرات متعددة إلى صوته. كأنه ينضم إلى مشهد مسبق أكثر من بحثه عن حيّز خاص. التحديات التي تخوضها قصيدته سبق لها أن خِيْضتْ في تجارب عديدة، حيث يتعالى الغناء والطرب الإيقاعي، ويشعر القارئ أنه مدعوٌّ إل قراءة مماثلة، كأن يقول: «في الفجرِ أصحو كالطيور وليس من شبهٍ/ أفتش زاهداً عن قوتيَ اليومي من شعر الحياة/ إن السماء كريمةٌ هذا الصباح معي/ وأنا بمثل رشاقة العصفور ألتقطُ الكلامَ الحَبَّ/ ثمة ريشتانِ تحمِّلان الريحَ موسيقى ومعنىً/ سوف أسبحُ كالطيور وليس من شبهٍ/ وأبني من بقايا الحُبِّ والأحلام بيتي في المدنْ».
التفعيلة المتكررة في هذه القصيدة، تتحوّل إلى تدوير عروضي كامل في قصيدة أخرى، حيث «لا شيطانَ إلا ذلك الإيقاعُ يهدرُ». هو هدير الإيقاعات فعلاً ما يُسيِّر هذه اللغة المشدودة «بأمراسٍ» إلى امرئ القيس الذي يرد ذكره ليله الطويل أو «ليل المعلقة الجاهلية» في قصيدة ثالثة. هديرٌ وخَبَبٌ يجعلان الكلمات تأخذ برقاب بعضها، ولكن ذلك لا يسطِّح المعنى في الواقع. هناك ذكاءٌ في مراودة المعاني والاستعارات عن نفسها.
وهناك تقريبٌ للمعجم مما يحدث في الشعر الأكثر حداثة وطليعية، إلا أن هذه الاستعارات تظل في حدود الوسط، وتتفاوت من قصيدة إلى أخرى، فنقرأ لغةً ملموسة وأقل تحليقاً في مقطع مثل «تصغي لموسيقى صديقكَ باخ/ وهو يجسّد الأرواح في النوتات/ ثم تشكره طويلاً/ أنتَ والربُّ الوحيد/ وتهجسُ: لستُ وحدي/ لي صديقٌ غائبٌ/ لكنني لا أعرف اسم صديقي السري هذا/ لكنه سيعود حتماً/ كي نفكر في النبيذ معاً». وفي المقابل، نقرأ قصائد عديدة تتضمن صوراً لافتة، ولكنها مضغوطة بالإيقاع العالي.
التفاوت في الصور واللغة موجود في تفاوتٍ آخر، يجمع فيه الشاعر بين مسميات حديثة وقديمة. في صفحة الإهداء مثلاً، نجد اقتباساً لفرناندو بيسوا «وبهذه الصورة/ صورة أي شاعرٍ آخر/ أغادر الطاولة/ مثل إلهٍ/ لم أرتّب لا هذا الشيء أو ذاكْ»، مسبوقاً بعَجْز شهير لقيس بن الملوح «وما أنشدُ الأشعارَ إلا تداويا».
وهو ما ينطبق على كتابة الشاعر قصيدة عن قسطنطين كافافي، وإهدائه قصيدتين أُخريين إلى شاعرين عُمانيين من جيل أسبق، هما: زاهر الغافري وسيف الرحبي، والخلاصة هي شعر يمتلك فصاحةً عروضية ومعجمية، ويحاول السكن في كتابة راهنة
ومعاصرة.

يمكنكم متابعة حسين بن حمزة عبر تويتر | @hbinhamza