انتهت قسراً حلقات «بردانة أنا» (كتابة كلوديا مرشليان ـــ إخراج نديم مهنا)، الذي تعرضه mtv، بفعل التظاهرات الشعبية التي انطلقت عشية 17 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وأطاحت في طريقها بالبرمجة الخريفية. أكثر من 15 حلقة عُرضت وقتها من أصل ستين، سبقتها حملة دعائية تساند العمل الدرامي، وتروّج للقضية التي يطرحها: العنف الأسري. بالرغم من ابتعاد المسلسل عن تبنّيه قضية مقتل منال عاصي على يد زوجها محمد النحيلي، تجنّباً لأيّ جدال قضائي حول القضية في تحويلها إلى عمل درامي، فإنّه يتّخذ من خيوط الجريمة الأساسية موئلاً له. بعد مقتل عاصي (شباط/ فبراير عام 2016)، الذي شكل أشهر جرائم العنف الأسري في لبنان، وتداول الإعلام القضية بشكل واسع، في البرامج الحوارية والاجتماعية، استعارت كلوديا مرشليان بعض تفاصيل الجريمة، واستثمرتها في المسلسل: بدءاً من عمل الجاني محمد النحيلي في توزيع المياه، إلى استعارة أداة الجريمة ألا وهي طنجرة الضغط الساخنة التي تحتوي على الفاصوليا، وصولاً إلى أهم تفصيل في الجريمة، عندما نطقت الضحية قبيل وفاتها وقالت لشقيقتها وهي مدماة على الأرض «دخيلك يا اختي بردانة غطيني»... تفاصيل شهدناها في الجزء الأول من «بردانة أنا»، إلى جانب الإضاءة على العقلية المتحكّمة بالمجتمع اللبناني، لا سيما لدى الأم (جسّدتها رولا حمادة)، عندما وقّعت تنازلاً قانونياً يُفضي إلى عدم ملاحقة قاتل ابنتها، وندمها لاحقاً، وحتى تستّرها على العنف الذي كانت تتعرّض له ابنتها. شهد الجزء الأول أخطاء إخراجية بالجملة، كون نديم مهنا، يدخل هذا العالم للمرة الأولى، فأسهم في تشويه العديد من المواقف والمشاهد. لكن الجزء شهد أيضاً تمييعاً لقضية العنف الأسري، التي سرعان ما ضاعت في زواريب أخرى، أبرزها العلاقة العاطفية بين «زياد» (وسام حنا) النقيب في الأمن الداخلي، و«دانيا (كارين رزق الله) عندما سيقت إلى المخفر، لدى محاولتها قتل «باسم» (بديع أبو شقرا) قاتل شقيقتها التوأم «حنين».
أدخلنا العمل في قصص متفرقة، عناوينها العلاقات العاطفية الشائكة والغيرة والخيانة

وهنا، لا بدّ من وقفة، عند تصوير الكاتبة للعنصر الأمني، بصفته الرجل الذي يحمي حقوق الناس، ويتمسّك بثوابته تجاههم ويؤمن بالقانون كحلّ للنزاعات، عدا طبعاً، الجانب الإنساني لدى النقيب، الذي يتمثّل في مساعدة رزق الله عندما تكون مسجونة، فيؤمّن لها غرفة تحوي نافذة، بما أنّها تعاني من فوبيا الأماكن المغلقة. انتهت الحلقات الأولى من المسلسل هنا، قبل أن تبدأ mtv، بعرض البقية في الموسم الرمضاني، مع إدخال العمل المنافسة التلفزيونية. الجزء الثاني من «بردانة أنا»، الذي وعد صنّاعه بأننا سنكون أمام أحداث جديدة وغير متوقّعة، أدخلنا متاهات جديدة، تحيد عن القضية الأساسية. في الحلقات السابقة، وبعيد الحبكة العاطفية التي أقحمت بين «زياد» و«دانيا»، راحت القصّة تتأزم، وأُدخلت عليها قصة أخرى، تتعلق بعائلة زياد، واتّهام والده، بقتل أمه وشقيقيه. صراع آخر تجلّى، وفي طياته اتّهام للأب بافتعال الجريمة التي أدخل فيها عنصر الخيانة، وأشعلت أسباب الجريمة. وبعد اكتشاف زياد خيانة والدته، يقرّر الابتعاد عن حبيبته، بعدما فقد الثقة بها، ولامها لأنها لم تصدّق أن أمه خانت والده، وبأن الأخير هو من أقدم على قتلها. هكذا، يترك زياد دانيا، التي تصوّر هنا، على شاكلة امرأة قوية وصاحبة قرار، لنراها تصرخ في الشارع، وتتوسل حبيبها بأن لا يتركها! في هذه الحلقات، تضيع طبعاً، القضية الأساسية، ومعها باقي الجوانب القانونية، التي تدخل فيها جمعية «كفى» هنا، لتتشابك مع قضية زواج القاصرات، بإقدام «باسم» على زواجه من شابة صغيرة، بموافقة عائلتها، وسؤال حول مصير هذه الفتاة، أمام مجرم، أقدم من قبل على قتل زوجته. ومع انقشاع محاولة الجاني إلباس زوجته/ الضحية لبوس الخيانة، وشرائه ذمة رجل ادّعى أنه كان عشيقها، لتبرير جريمته وإدراجها ضمن «جرائم الشرف»، تتشعّب أحداث المسلسل. بعد عجز القضاء عن سجن الجاني، حتى بعد إقدامه على الاعتداء على «سميرة» (رولا حمادة) والدة حنين ودانيا، تصل الأحداث إلى محاولة الأخيرة استخدام لعبة الاستمالة العاطفية واستغلال «باسم» المفتون بها، للانتقام منه.
هكذا، تبقى قضية العنف الأسري، وحمل لواء قضايا النساء المعنّفات والمغدورات، عنواناً لعمل درامي، بقيت فيه الجريمة الأساسية على الهامش، فيما أخذتنا أحداث أخرى، إلى زوايا لا تخدم السياق الجوهري للحبكة. دخلنا ضمن قصص متفرقة، عناوينها العلاقات العاطفية الشائكة، والغيرة النسائية، والخيانة، مع مرور عابر على بيع الطفلات وتزويجهن. وبهذا، ورغم إجحاف القضاء اللبناني في كثير من قضايا العنف الأسري، وتخفيفه للأحكام على الجناة، إلا أن العمل لا يتطرّق مثلاً إلى عدد من الصفحات البيضاء التي انتصر فيها بعض القضاة للنساء، وأنصفوا حقوقهن حتى بعد مقتلهن. أبقى المسلسل على سمة تفلّت الجاني من نيل عقابه، واستثمار محاميه ثغراً في القوانين لإخراجه عند كل جريمة أو حادثة يقترفها... في انتظار النهاية، التي يبدو أنها تتجه صوب الانتقام الشخصي بعيداً عن القانون.

«بردانة أنا» يومياً 21:20 على شاشة mtv