في الأول من أيار (مايو)، رحل عازف الغيتار اللبناني من أصل فلسطيني، وليد إتيّم (1959) تاركاً مشاريعه الموسيقية التي كان ينوي القيام بها وألبوماً خاصاً وحيداً بعنوان Where I Wanna be (حيث أريد أن أكون)، صدر عام 2009.ولد الموسيقي الراحل في بيروت. جدّه من كفرياسيف في فلسطين المحتلّة التي تركها بـ«بكامل إرادة الأمم» عام 1948 ليلاقي عائلته التي كانت في زيارة إلى العاصمة اللبنانية لم تكن تعرف أنها لن تعود منها إلى بلدها.
تربّى وليد إتيّم في أجواء تميل ثقافياً إلى الغرب وسياسياً إلى الشرق… الفتى الذي سيشبّ على هذه الطريق سيشيب ويرحل عليها، إذ كان شغله الشاغل في السنوات كما في الأيام الأخيرة في حياته تفنيد مؤامرات الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل على الوطن العربي، مركزاً منظاره على المشروع التكفيري للمنطقة وحَرْف الثورة السورية في هذا الاتجاه. أحَبَّ موسيقى الروك التطوّري والبلوز روك والروك أند رول والفيوجن وكذلك البلوز والجاز، متأثراً بالفرق الإنكليزية والأميركية التي صنعت هذه التيارات في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتي رافقت وليد في مراهقته وشبابه.


بدأ علاقته بآلة الغيتار في سنة الـ13، فراح يتابع دروساً موسيقية ما لبث أن تركها لصالح العصامية التي أوصلته إلى «الكمال» التقني والعزف بإحساس كبير، لكنه خسر أمراً مهماً سيعيقه لاحقاً هو قراءة النوطة الموسيقية. ندم على هذا الإهمال، لكن قراءة الموسيقى كانت قصاصاً لشاب يغلي شغفاً وطاقةً، والصبر هو أقل ما يمكن توافره في هذه الحال.
درس العلوم السياسية في أميركا وعاش فترة طويلة في بريطانيا. أما في لبنان فقد أمضى فترة نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات، عازفاً في فرقة صديقه عبود السعدي، Force، وفي مشاريع موسيقية مسجّلة أو حيّة ضمن النشاط الموسيقي الذي كان يحصل في منطقة راس بيروت آنذاك. وعلى رأس من عاش معهم تلك الأيام، زياد الرحباني (استضافه لاحقاً في محطتين من ألبوم «مونوذوز» مع سلمى مصفي) وصديقَيْه الأقرب إلى قلبه منير الخولي وسامي شبشب، الذين لاقوه، بعد أكثر من عقدَين، لإنجاز مشروعه الخاص، أي الألبوم المذكور أعلاه. فهذا العمل هو عبارة عن 12 أغنية وضعها وليد في الثمانينيات والتسعينيات، وأضاف إليها بعض العناوين الجديدة، وعمل بالأخص مع منير الخولي لتحويلها، «من بعد هالعمر»، إلى وثيقة تقول: هذه الموسيقى التي نحب، وها هي مساهمتنا فيها. شارك زياد عزفاً على الـ«فندر رودز» في إحدى محطات الألبوم، وكذلك فعل سامي على الغيتار باص في أخرى. كما حلّ ضيفاً كل من أرتور ساتيان (بيانو) وجيريمي تشامبن (ساكسوفون) وتولى منير الإعداد كما تولى عزف معظم الآلات الأخرى، فانفرد وليد في الغناء والعزف على الغيتار. هذا الألبوم ولد في المكان والزمان الخطأ. فلو قُدِّر له أن يصدر في الثمانينيات أو قبل ذلك بقليل، في بريطانيا أو أميركا (وفي ظلّ إنتاج سخيّ)، لضاهى التجارب المماثلة في الشغف والإتقان.
تربّى في أجواء تميل ثقافياً إلى الغرب وسياسياً إلى الشرق


بعد صدور الألبوم، نشط وليد إتيّم في العزف الحيّ، فحل ضيفاً على بعض الأمسيات التي قدّمها زياد الرحباني في الحانات البيروتية، كما شارك في مهرجان الجاز (يوم الجاز في بيروت) مع فرقته Quad 5 ورافق عزفاً واحتضاناً ابنته سيما، المغنية الشابة التي تشرّبت الريبرتوار الذي عشِقَه والدها (ووالدتها أيضاً، ستيفاني ستيفانو) وأضافت إليه التجارب الجديدة في السياق الفنّي ذاته.
عندما تناولنا ألبومه الوحيد، أخطأنا في كتابة اسم عائلته… فأينما وجدناه كان مكتوباً بأحرف لاتينية لا تحيل إلى كتابة عربية واضحة. ولم نرد إزعاجه باستيضاح الأمر. علمنا أنه زعل قليلاً، فقلنا، لا بأس سنصحح الخطأ ونعتذر عند صدور الألبوم التالي… ها نحن نفعل والألبوم التالي لن يصدر.